لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى.
و الطريف أنّ القرآن الكريم قد بيّن كون نعم الجنّة خالدة بتعابير مختلفة،
فيقول تارة: خالِدِينَ فِيها[1] و يقول أخرى: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[2] أمّا لماذا عبر ب الْمَوْتَةَ الْأُولى فسيأتي بيانه في التأملات، إن شاء اللّه تعالى.
و أخيرا يبيّن القرآن الكريم السابع من النعم و آخرها، فيقول: وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فإنّ كمال هذه النعم إنما يتم عند ما يخلو فكر أصحاب الجنّة من احتمال
العذاب، و عدم انشغالهم به، لئلا يقلقوا فيتكدر صفوهم فلا تكمل تلك النعم حينئذ.
و هذا التعبير يشير إلى أنّ المتقين إن كانوا خائفين مما بدر منهم من هفوات،
فإنّ اللّه سبحانه سيعفو عنها بلطفه و كرمه، و يطمئنهم بأنّ لا يدعوا للخوف إلى
أنفسهم سبيلا. و بتعبير آخر، فإنّ غير المعصومين مبتلون بالهفوات شاؤوا أم أبوا، و
هم في خوف و قلق منها ما داموا غير مطمئنين بشمول العفو الإلهي لهم، و هذه الآية
تمنحهم الاطمئنان و الراحة و الأمان من هذه الجهة.
و هنا يطرح سؤال، و هو: إنّ بعض المؤمنين يقضون مدّة في الجحيم بذنوب
اقترفوها، ليتطهروا منها، ثمّ يدخلون الجنّة، فهل تشملهم الآية المذكورة؟
و يمكن القول في معرض الإجابة عن هذا السؤال، بأنّ الآية تتحدث عن المتقين ذوي
الدرجات السامية، و الذين يردون الجنّة من أوّل وهلة، أما الفئة الأخرى فهي ساكتة
عنهم.
و يحتمل أيضا أنّ هؤلاء عند ما يدخلون الجنّة فلن يخشوا بعد ذلك العودة إلى
النّار، بل يبقون من الأمن الدائم، و هذا يعني أنّ الآية أعلاه ترسم صورة هؤلاء و
حالهم بعد دخولهم الجنّة.
و أشارت آخر آية- من هذه الآيات- إلى جميع النعم السبعة، و كنتيجة لما مر
[1]- ورد هذا التعبير في آيات كثير من
القرآن، و من جملتها: آل عمران- 15، 136 النساء- 13، 122، المائدة- 85، و غيرها.