و شفعاء يقربونهم إلى اللّه زلفى، أو أنها دلائل و علامات لأولياء اللّه
المقدسين، ثمّ يضمون إليها ذريعة أن معبودنا يجب أن يكون موجودا ملموسا و محسوسا
لنأنس به، فيعبدونها، و لذا فإنّهم متى ما سئلوا عن خالقهم فسيقولون: اللّه.
و قد ذكّر القرآن مرارا بحقيقة أن العبادة لا تليق إلّا بخالق هذا الكون و
مدبره، و إذا كنتم تعلمون أن اللّه هو الخالق و المدبر، فلم يبق لكم إلّا أن
تقصروا عبادتكم عليه، و تخصوه بها.
و لذلك فإنّ الآية تقول في نهايتها
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ و هو لوم و توبيخ لهم ..
فإنّكم إذا علمتم حقيقة الأمر فلم تعرضون عن اللّه و تعبدون غيره؟
و تحدثت الآية التالية عن شكوى النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اللّه
سبحانه من هؤلاء القوم المتعصبين الذين لا منطق لديهم، فقالت: وَ قِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ.
إنّه يقول: لقد تحدثت مع هؤلاء، القوم ليلا و نهارا، فأتيتهم من طريق التبشير
و الإنذار، و ذكرت لهم قصص الأقوام الماضين المؤلمة، و حذرتهم من عذابك، و رغبتهم
في رحمتك إن هم رجعوا عن طريق الضلال، و خلاصة القول: إنّي أبلغتهم الأمر ما
استطعت إلى ذلك سبيلا، و قلت كل ما ينبغي أن يقال، إلّا أن حرارة كلامي لم تؤثر في
برودة قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، فلم يؤمنوا [1].
و يأمر اللّه سبحانه نبيّه في آخر آية أن فَاصْفَحْ عَنْهُمْ و لا يكن إعراضك عنهم إعراض افتراق و غضب و أذى و جرح للمشاعر، بل أعرض عنهم وَ قُلْ سَلامٌ لا سلام
تحية و محبّة، بل سلام وداع و افتراق.
[1]- هنا اختلاف كبير بين المفسّرين
في أن (قيله) معطوفة على ماذا؟ فالبعض يعتقد أنها معطوفة على الساعة التي مرت قبل
ثلاث آيات، و على هذا يصبح معنى الجملة: إنّ اللّه عنده علم الساعة، و شكوى النّبي
من الكفار.
و البعض الآخر اعتبرها معطوفة على (علم الساعة) بشرط أن تكون (علم) مقدرة قبل
(قيله) كمضاف محذوف. و هو لا يختلف كثيرا عن التّفسير الأول.
و اعتبر جماعة الواو واو القسم. و هناك احتمالات أخرى لو ذكرناها هنا لطال بنا
المقام.
و هنا احتمال آخر لعله أفضل من كل ما قيل في هذا الباب، و هو أنّها معطوفة على
محذوف جملة: (انى يؤفكون)، و تقدير ذلك:
(أنى يؤفكون عن عبادته و عن قيله يا
رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون).