العقل و الوجدان لا يقبلان أن يكون هذا العالم الكبير الواسع بكل هذه العظمة
مخلوق من قبل بعض الكائنات الأرضية، فكيف يمكن للعقل أن يقبل أنّ الأصنام التي لا
روح فيها و لا عقل و لا شعور هي التي خلقت هذا العالم، و بهذا الشكل فإنّ القران
يحاكم أولئك إلى عقولهم و شعورهم و فطرتهم، كي يثبّت أول أسس التوحيد في قلوبهم، و
هي مسألة خلق السماوات و الأرض.
و في المرحلة التالية تتحدث الآيات عن مسألة الربح و الخسارة، و عن مدى
تأثيرها على نفع أو ضرر الإنسان، كي تثبت لهم انّ الأصنام لا دور لها في هذا
المجال، و تضيف قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ
أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ[1].
و الآن بعد أن اتّضح أنّ الأصنام ليس بإمكانها أن تخلق شيئا و لا باستطاعتها
أن تتدخل في ربح الإنسان و خسارته، إذن فلم نعبدها و نترك الخالق الأصلي لهذا
الكون، و الذي له اليد الطولى في كلّ ربح و خسارة، و نمد أيدينا إلى هذه الموجودات
الجامدة التي لا قيمة لها و لا شعور؟ و حتى إذا كانت الآلهة ممن يمتلك الشعور
كالجن أو الملائكة التي تعبد من قبل بعض المشركين، فإنّ مثل هذا الإله ليس بخالق و
لا يمكنه أن يتدخل في ربح الإنسان و خسارته، و كنتيجة نهائية و شاملة يقول البارئ
عزّ و جلّ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ.
آيات القرآن المجيد أكّدت- و لعدّة مرات- على أنّ المشركين يعتقدون بأنّ اللّه
سبحانه و تعالى هو خالق السموات و الأرض [2]. و هذا الأمر يبيّن أن الموضوع كان بالنسبة للمشركين من
المسلّمات، و هذا أفضل دليل على بطلان الشرك، لأن توحيد خالق الكون و الاعتراف
بمالكيته و ربوبيته أفضل دليل على (توحيد
[1]- المفسّرون و اللغويون يفسّرون (أ
فرأيتم) بأنّها تعطي معنى (أخبروني) في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مانع من تفسيرها
بمعناها الأصلى و هو رؤية العين أو القلب.
[2]- العنكبوت (61) و (63)، لقمان
(31)، الزخرف (9) و (87).