في زماننا، تقوم المحركات الضخمة بتحريك السفن و دفعها إلى الأمام، إلّا أنّ
الرياح تبقى مؤثرة أيضا في حركة هذه السفن.
و للتأكيد أكثر تقول الآية: إِنْ
يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ.
و كاستنتاج تضيف الآية في نهايتها:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ.
نعم، فهبوب الرياح، و حركة السفن، و خلق البحار، و النظام الخاص المتناسق الذي
يتحكم بهذه الأمور ... كلّها آيات مختلفة للذات المقدسة.
و نعلم أن هبوب الرياح يتمّ بسبب الاختلاف في درجة الحرارة بين منطقتين على
الكرة الأرضية، لأنّ الهواء يتمدد بسبب الحرارة و يتحرك نحو الأعلى، و يضغط على
الهواء المحيط به و يقوم بتحريكه، و من جانب آخر يترك مكانه للهواء المجاور له عند
تحركه نحو الطبقات العليا، فلو سحب الخالق هذه الخاصية (خاصية التمدد) من الهواء،
عندها سيطغى السكون و الهدوء القاتل و ستقف السفن الشراعية في عرض البحار دون أية
حركة.
«صبار» و (شكور) صيغتا مبالغة حيث
تعطي الأولى معنى كثرة الصبر، و الثانية كثرة الشكر. و هذان الوصفان الواردان في
هذه الآية- و في موارد اخرى [1]- يشيران إلى ملاحظات لطيفة.
فهاتان الصفتان توضحان حقيقة الإيمان، لأن المؤمن صبور في المشاكل و
الابتلاءات و شكور في النعم، و
قد ورد في حديث عن الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: «الإيمان نصفان: نصف صبر و نصف شكر» [2].
إضافة إلى ذلك، فإنّ البحث في أسرار نظام الخلق يحتاج إلى الصبر و الاستمرار و
تخصيص الوقت الكافي، و من جانب ثان يستحق شكر لمنعم.
[1]- إبراهيم- 5، لقمان- 31، سبأ- 19،
و الآية التي نبحثها.
[2]- تفسير الصافي، مجمع البيان،
الفخر الرازي، و القرطبي نهاية الآية (31) من سورة لقمان.