و الهداية
الباطنية عن طريق النور الإلهي و الإمداد الغيبي، و هاتان مفخرتان كبيرتان
للباحثين وراء الحقيقة ذوي التفكير الحرّ.
و لكون رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يرغب- بشدّة- في هداية المشركين و
الضالين، و كان يتألّم كثيرا لانحراف أولئك الذين لم يعطوا آذانا صاغبة للحقائق،
فأنّ الآية التالية عمدت الى مواساته بعد أن وضحت له حقيقة أنّ عالمنا هذا هو عالم
الحرية و الامتحان، و مجموعة من الناس- في نهاية الأمر- يجب أن تدخل جهنم، إذ قالت:
أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي
النَّارِ[1].
عبارة
حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ إشارة إلى آيات مشابهة،
كالآية (85) من سورة ص التي تقول بشأن الشياطين و أتباعهم:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
و من البديهي
أنّ حتمية تعذيب هذه المجموعة لا تحمل أيّ طابع إجباري، بل إنّهم يعذبون بسبب
الأعمال التي ارتكبوها، و نتيجة إصرارهم على ارتكاب الظلم و الذنب و الفساد، بشكل
يوضح أنّ روح الإيمان و التعقل كانت ميّتة في أعماقهم، و أنّ وجودهم كان قطعة من
جهنم لا أكثر.
من هنا
يتبيّن أنّ قوله تعالى: أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي
النَّارِ هو إشارة إلى حقيقة أنّ كونهم من أصحاب النّار يعد أمرا مسلما به و
كأنّهم الآن هم في قلب جهنم، حتّى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
الذي هو (رحمة للعالمين) لا يستطيع إنقاذهم من العذاب، لأنّهم قطعوا كافّة طرق
الاتصال باللّه سبحانه و تعالى و لم يبقوا أيّ سبيل لنجاتهم.
و لبعث
السرور في قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لزيادة الأمل في قلوب
المؤمنين،
[1]- في الحقيقة، إنّ الآية تحوي جملة محذوفة
تدل عليها الجملة التي تلتها، و تقديرها (أ فأنت تخلصه) إذ يصبح تقدير الجملة
كالتالي (أ فمن حق عليه كلمة العذاب أ فأنت تخلصه (بقرينة الجملة التالية) أ فأنت
تنقذ من في النّار) و قال البعض الآخر: إن تقدير الآية هو كالتالي (أ فمن حقت عليه
كلمة العذاب ينجو منه).