إنّ الإنسان عند ما يصاب ببلاء معين، خاصة إذا كان بلاء شديدا، فإنّه يفكر
بمسببه الأصلي كي يعثر عليه و ينتقم منه، و أحيانا يود تقطيعه قطعة قطعة إذا
استطاع ذلك.
لذلك تشير الآية التالية إلى هذا المعنى الذي سيشمل الكفار و هم في الجحيم
فيقول: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا
أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ
أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.
إنّ أولئك كانوا ينهونا عن سماع قول النّبي و كانوا يقولون: إنّه ساحر مجنون،
ثم كانوا يكثرون من اللغو حتى لا نسمع صوته و كلامه، و بدلا عن ذلك كانوا يشغلوننا
بأساطيرهم و أكاذيبهم.
أمّا الآن و قد فهمنا أن كلامه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هو روح الحياة
الخالدة، و أنّ نغمات صوته حياة النفوس الميتة، و لكن «و لات ساعة ندم».
لا ريب أنّ المقصود من الجن و الإنس- في الآية هم الشياطين، و الناس الذين
يقومون بالغواية مثل الشياطين، و ليس هما شخصان معينان.
و لا مانع من تثنية الفعل عند ما يكون الفاعل مجموعتان، كما في قوله تعالى:
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
قال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى: لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ: المقصود أنّ المضلين من الجن و الإنس سيكونون في أسفل درك من الجحيم، و لكن
الأظهر منه أنّ شدة غضبهم يدفعهم إلى وضع من أغواهم تحت أقدامهم ليركلونهم و
يكونوا في أدنى مقام في مقابل ما كان لهم من مقام و مكانة عليا في الحياة الدنيا.