و يحتمل أن يكون هذا النداء من نوع التخاطب و التخاصم الذي يقوم بين الكفار في
القيامة، لكن المعنى الأوّل أرجح كما يبدو، و على كلّ حال سينطلق هذا النداء يوم
القيامة، كما أنّ الآيات اللاحقة شاهد على هذا المعنى.
«المقت» تعني في اللغة البغض و
العداوة الشديدة. و هذه الآية تبيّن أن غضب اللّه تعالى على الكافرين هو أشد من
عداوتهم لأنفسهم أمّا فيم يتعلق بمقت الكفار لأنفسهم، فهناك تفسيران:
الأوّل: يتمثل في ارتكاب هؤلاء في الحياة الدنيا لأكبر عداوة إزاء أنفسهم
برفضهم لنداء التوحيد، فهم لم يهملوا مصابيح الهداية و حسب، بل عمدوا إلى تحطيمها.
فهل ثمّة عداء للنفس أكثر من أن يغلق الإنسان أمامه أبواب السعادة الأبدية، و يفتح
على نفسه أبواب العذاب.
و طبقا لهذا التّفسير يكون قوله تعالى:
إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ بيانا لكيفية مقت و عداوة الكافرون أنفسهم.
الثّاني: أن يكون المقصود بغضبهم و عدائهم لأنفسهم هو أن تصيبهم حالة من الألم
و الندم الشديد عند ما يشاهدون يوم القيامة نتيجة أعمالهم و ما اقترفت أيديهم في
هذه الدنيا، حيث ترتفع آهاتهم و صرخاتهم، و يعضون على أناملهم من الندم، و لات
ساعة مندم يقول تعالى: وَ يَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ[1]. و يتمنون أن يكونوا ترابا: وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً[2].
و في ذلك اليوم تنفتح آفاق البصر: فَبَصَرُكَ
الْيَوْمَ حَدِيدٌ[3] و تنكشف
الأسرار و الحقائق الخفية: يَوْمَ
تُبْلَى السَّرائِرُ[4]. و في ذلك اليوم تنشر الصحف و تكشف