نعم، فقارون و أمثاله من المغرورين يتصورون أنّهم حصلوا على الأموال بسبب
لياقتهم و غفلوا عن أنّ اللّه سبحانه و تعالى هو الذي منّ بهذه النعم عليهم و أنّه
المصدر الأصل للنعم و الواهب الحقيقي لها، و أنّهم كانوا ينظرون فقط للأسباب
الظاهرية، لكن التاريخ بيّن أنّه عند ما خسف البارئ عزّ و جلّ الأرض بأولئك لم
يسرع أحد إلى مساعدتهم، و لم تنفعهم أموالهم، كما ورد في سورة القصص الآية (81) فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ
مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
و ليس قارون- وحده- ابتلي بهذا العذاب، و إنّما أقوام عاد و ثمود و سبأ و
أمثالهم ابتلوا- أيضا- و كان لهم نفس المصير.
ثم يقول: فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا.
فكل واحد منهم ابتلي بنوع من العذاب الإلهي و هلك، كابتلائهم بالطوفان و السيل
و الزلزال و الصيحة السماوية.
و يضيف: إنّ هذا المصير لا ينحصر بأولئك الأقوام و حسب بل إنّ مشركي مكّة
سيبتلون في القريب العاجل بعواقب أعمالهم السيئة، و لا يستطيع أحد منهم أن يفرّ من
قبضة العذاب الإلهي الذي سينزل بهم جميعا وَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ ما هُمْ
بِمُعْجِزِينَ.
و سينال هذا العذاب و الابتلاء كلّ الطغاة و المغرورين و المشركين، و في كلّ
العصور و القرون.
و من جهة اخرى ورد احتمالان في هل أنّ المراد من عبارة سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا هو العذاب الدنيوي أم العذاب الاخروي، و لكن بقرينة فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا فإنّ التّفسير الأوّل أنسب.
القرآن الكريم أجاب على ادعاءات الذين يزعمون أنّهم حصلوا على النعم الدنيوية
بعلمهم و قدرتهم، عند ما دعاهم إلى مراجعة تأريخ الأولين للاطلاع على أنواع
الابتلاءات و العذاب الذي ابتلوا به بسبب مزاعمهم الباطلة، و هذا هو ردّ