الشريفة،
لأنه كما تقدّم سابقاً أنّ الهجرة لا تختصّ بالمسلمين في أوائل البعثة بل هي ممكنة
في كلِّ زمان و مكان، و تعني الهجرة من أجواء الذنوب إلى أجواء الطاعة، و من دائرة
الرذائل إلى دائرة الفضائل، و من الظلمات إلى النور.
سؤال:
ما ذا تعني مفردة «بإحسان» التي وردت في الآية الشريفة لوصف «التابعين»؟
الجواب:
هنا يوجد احتمالان في تفسير هذه المفردة:
الأوّل: أن
لا يكون اتّباع المهاجرين و الأنصار بالكلام فقط بل ينبغي أن يتجسّد في الواقع
العملي في حركة الإنسان، و بعبارة اخرى أن يتّبع المسلم المهاجرين و الأنصار بشكل
جيّد و دقيق.
الاحتمال
الثاني: أن يتّبع الإنسان المهاجرين و الأنصار في أعمالهم الحسنة لا في جميع
الأفعال و السلوكيات الاخرى، لأنه كان بين المسلمين الأوائل بعض الأشخاص الذين
كانوا يتحركون في حياتهم الفردية و الاجتماعية على خلاف تعليمات النبي صلى الله
عليه و آله و أحكام الإسلام.
و خلافاً لما
يراه أهل السنّة من عدالة و عصمة جميع صحابة النبي [1]
فنحن نعتقد أن الصحابة ليسوا معصومين جميعاً، و الآية الشريفة أعلاه يمكنها أن
تكون دليلًا جيّداً على
[1] في سفري الأخير إلى مكّة المكرمة (عام 1422
ه. ق) اقترح عليّ بعض علماء أهل السنّة في مكّة المكرمة أن نعقد جلسة للحوار
بيننا، و من جملة البحوث التي طرحت في تلك الجلسة بحث عدالة الصحابة حيث قلت لهم:
إنكم تعتقدون بأن جميع الصحابة عدول و منزّهون عن ارتكاب الذنوب في حين أنّ
الصحابة هم الذين اشعلوا نار حرب الجمل و التي ذهب ضحيتها أكثر من 17 ألف من
المسلمين، فمن المسئول عن كلّ هذه الدماء؟ و إذا كان سفك دم مسلم واحد يوجب دخول
النار فكيف بدماء 17 ألف إنسان؟
و قد أجاب
بعض علماء أهل السنّة: إن طلحة و الزبير و عائشة بالرغم من كونهم السبب الأساس في
اشعال نار الحرب، إلّا أنهم انسحبوا قبل بدء القتال و لم تتلوث أيديهم بدماء
المسلمين!!
فقلت في
جوابهم: على فرض صحة هذا الادعاء، فهل يكفي لمن اشعل نار الحرب أن ينسحب من
الميدان و ينقذ نفسه و يترك الآخرين يحترقون بنارها؟ أو يجب عليه السعي لإطفاء نار
الحرب و الفتنة؟! ثمّ سألتهم: لقد قتل في حرب صفين حوالي مائة ألف نفر من
المسلمين، فمن هو المسئول عن ذلك؟
قالوا: إن
معاوية اجتهد فأخطأ و لا مسئولية عليه. فقلت: إذا كانت دائرة الاجتهاد واسعة إلى
هذه الدرجة، إذن فلا ينبغي أن يطال العقاب أي مذنب أو مجرم لأنه أخطأ في اجتهاده،
فهل يقبل العقلاء هذا الكلام؟!