معه لإنقاذ
أنفسهم من تلكم الضغوط و أشكال الأذى و التعذيب و لغرض تقوية الدين الجديد، فتركوا
بيوتهم و أموالهم و أراضيهم و أقوامهم و قبيلتهم و الخلاصة تركوا كلّ شيء و
هاجروا إلى المدينة بأيدي خالية، و هناك واجهتهم أخطار كثيرة، فمن جهة خطر
المشركين في مكّة الذين كانوا بصدد الانتقام منهم و قتلهم، و من جهة اخرى عدم وجود
العمل المناسب و كذلك حالة الغربة و أجواء الوحدة و البعد عن القوم و الوطن و
أمثال ذلك من الأخطار و التبعات المترتبة على الهجرة، و لكنّ هؤلاء المسلمين
الحقيقيين استقبلوا هذه الأخطار و هاجروا إلى المدينة، و قد كان البعض منهم يمر
بحالة اقتصادية سيئة للغاية بحيث كانوا ينامون في «الصفّة» إلى جانب مسجد النبي و
هم المعروفون بأصحاب الصفّة حيث كانوا يقضون ليلهم و نهارهم في ذلك المكان و لم
يكن لديهم ممّا يقيم أودهم إلّا القليل جدّاً و مع ذلك كانوا على استعداد دائم
لتقديم الخدمات للإسلام متى حلّت الحاجة إليهم.
الطائفة
الثانية: «الأنصار» و هم المسلمون الذين دخلوا الإسلام في المدينة و
استجابوا لدعوة الرسول إلى الإسلام ودعوه ليهاجر إليهم و أبدوا استعدادهم لبذل
كلِّ إمكاناتهم في سبيل الإسلام، هؤلاء استقبلوا المهاجرين الذين هاجروا إليهم من
مكّة و وضعوا بيوتهم و كلُّ ما يملكون تحت اختيارهم و تعاملوا معهم كإخوة لهم، و
طبعاً هؤلاء بذلوا كلَّ جهدهم و آثروا المهاجرين على أنفسهم رغم أن الوضع المالي
لبعضهم لم يكن على ما يرام.
الطائفة
الثالثة: «التابعون» و هم المسلمون الذين جاءوا إلى الدنيا بعد
المهاجرين و الأنصار و سلكوا مسلكهم و تحركوا مثلهم في خطّ الإيمان و الرسالة، و
هؤلاء هم الذين يسمّون ب «التابعين» [1]
أي الذين اتبعوا الطائفتين السابقتين، و عليه فطبقاً لهذا التفسير يكون التابعون
هم النسل الثاني للمسلمين و يشمل جميع المسلمين إلى يوم القيامة في كلِّ عصر و
مكان، أي أن المسلمين في الزمان الحاضر الذين تحركوا في خطّ نصرة الإسلام و الهجرة
نحو رضا اللَّه تعالى يصدق عليهم عنوان «التابعين» الذين ورد ذكرهم في هذه الآية
[1] مصطلح «التابعين» في لسان أهل الحديث يطلق
على الأشخاص الذين لم يدركوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و لكنهم أخذوا
علومهم و معارفهم من الصحابة، و هذا المعنى أضيق دائرة من المراد بالتابعين بصورة
عامّة و هم كلّ من لم يدرك الرسول صلى الله عليه و آله إلى زماننا هذا.