أمَّا بعدُ؛ يا أميرَ المُؤمِنينَ، العجبُ لَكَ! تأمُرُني بقتِال قَومٍ كافِّينَ عَنكَ، لم يَمُدّوا يَداً للفِتنَةِ، و لا أرصَدُوا لها، فأطعني يا أميرَ المُؤمِنينَ، و كُفَّ عَنهُم، فإنَّ الرَّأي تَركُهُم، و السَّلامُ. [1]
و نقل البلاذري في أنساب الأشراف قال: بعث عليٌ قَيْسَ بن سَعْدِ بنِ عُبادَةَ أميراً على مصر، فكتب إليه معاوية و عَمْرو بن العاص كتاباً أغلظا فيه، و شتماه، فكتب إليهما بكتاب لطيف قاربهما فيه، فكتبا إليه يذكران شرفه و فضله، فكتب إليهما بمثل جواب كتابهما الأوّل، فقالا:
إنَّا لا نطيق مكر قَيْس بن سعد، و لكنَّا نمكر به عند عليّ، فبعثا بكتابه الأوَّل إلى عليّ، فلمَّا قرأه، قال أهل الكوفة: غَدَرَ و اللَّهِ قيسٌ، فاعزِلهُ.
فقال عليّ:
«وَيحَكُم، أنا أعلَمُ بِقَيس، إنَّهُ واللَّهِ، ما غَدَر، ولكِنَّها إحدى فِعلاتِهِ»
. قالوا: فإنَّا لا نرضى حَتَّى تعزله، فعزله، و بعث مكانه محمَّد بن أبي بكر.
فلمَّا قدم عليه، قال:
إنَّ مُعاوِيَةَ وعَمْرو سَيَمكُرانِ بِكَ، فَإذا كَتبا إلَيكَ بِكَذا فَاكتُب بِكَذا، فإذا فَعَلا كَذا فافعَل كذا، ولا تُخالِف ما آمُرُكَ بِهِ، فَإن خالَفتَهُ قُتِلتَ.
و هكذا عزلَ أمير المؤمنين 7 قيسَ بن سعد، و بعث مكانه محمَّد بن أبي بكر (رحمه الله)، فوقع ما وقع، و قد اشتبه الأمر على جمعٍ، فقالوا: إنَّه بعث مكانه الأشْتَر؛ إذ قصّة قَيْس كانت قبل صفِّين، و قِصَّةُ الأشْتَر كانت بعد صفِّين.
[1]. راجع: تاريخ الطبري: ج 4 ص 553، الإصابة: ج 3 ص 249، و أنساب الأشراف: ج 1 ص 392 و 405، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 531 الرقم 497 و الإستيعاب و أسد الغابة ترجمة قيس.
[2]. راجع: أنساب الأشراف: ج 3 ص 173، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 57- 63؛ الغارات: ج 1 ص 211- 219.