أمَّا بعدُ، فإنِّي أُخبِرُكَ- يا أميرَ المُؤمنِينَ- أكرَمَهُ اللَّهُ، أنَّ قِبَلي رِجالًا مُعتَزِلينَ، سَأَلوني أن أكفَّ عَنهُم، و أن أدَعَهُم على حالِهِم حَتَّى يستقيمَ أمرُ النَّاسِ، فنرى و يَروْا رأيهم، و قَد رأيتُ أن أكفَّ عَنهُم، و ألّا أتعجَّلَ حَربَهُم، و أن أتألَّفَهُم فيما بينَ ذلك، لعلَّ اللَّهَ عز و جل أن يُقبِلَ بِقُلُوبِهِم، و يُفَرّقَهُم عَن ضَلالَتِهِم، إن شاءَ اللَّهُ. [1]
و كتب معاويةُ إلى قَيْس بن سَعْد يستزلّه، و يعده الولاية له و لأهل بيته، فردّه قَيْس، و جرى بينهما مكاتبات، فلمَّا يئس معاوية، و ثقل عليه كونه والياً على مصر لِما عَلِمَ من بأسه و سياسته و نجدته. و خاف معاويةُ جانبه، و علم أنّه ما دام قَيْس بمصر لا يتمكّن من فتحها، بل يخاف أن يحمل عليه قَيْس من جهته أيضاً؛ و لذلك احتال معاوية و اختلق كتاباً ادّعى أنّه من قيس، و أنّ قيساً موالٍ لمعاوية في سرّه و قرأه على النَّاس، و أشاع ذلك في العراق، و روّجه في العراق عيون معاوية و جواسيسه، كالأشعث و أضرابه.
فلمَّا وصل كتاب قَيْس هذا إلى أمير المؤمنين 7 في الكفّ عن المعتزلين، جعلوه دليلًا على الأراجيف المفتعلة في قيس، و حثّوا جمعاً ممَّن لا خبرة له بأسرار الأمور و الحوادث، على الإصرار على عزله، كل ذلك كان من تدبير أذناب و أيادي معاوية الموجودين سرّا في الكوفة، و كانت وظيفة الأشْعَث و أضرابه، هي إلجاء أمير المؤمنين 7 إلى عزل قَيْس، متذرِّعين بهذه العناوين الباهتة، و فطن عليّ 7 إلى ذلك التَّدبير الخبيث، فلم يرَ مناصاً من أن كتب إلى قَيْس هذا الكتاب،
[1]. تاريخ الطبري: ج 4 ص 554، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 530 الرقم 495.