أما الدعوى الأولى فعهدتها على مدعيها ،
فمن حصل له القطع بصدور جميع تلك الأخبار عن المعصوم (ع) كانت حجة في حقه ، ولا
تبقى حاجة الى النظر في أسنادها ، فيبطل التنويع. أما الذي لم يحصل له القطع بذلك
، ولم تقم عنده تلك القرائن ، فلا مناص له من مراجعة اسناد الاحاديث ، والفحص عما
هو الحجة من تلك الأنواع ، وهل أنه الحديث الصحيح فقط ، وهو الذي يرويه الإمامي
العدل ، واختاره بعض الفقهاء كالسيد محمد في ( مدارك الأحكام ) ، او باضافة الموثق
والحسن ، وهو المشهور ، هذا كله بناء على ما اتفق عليه المتأخرون ، واختاره بعض
القدماء من حجية خبر الواحد ، وقد مر الاشارة اليه في مقدمة الكتاب.
وأما الدعوى الثانية فالجواب عنها.
أولاً : أن القدماء ـ لقرب عهدهم
بالأئمة الأطهار (ع) ـ كان من السهل عليهم تحصيل القطع بصدور الأحاديث عنهم (ع) ،
لكثرة القرائن الدالة على ذلك ، فلا تبقى حاجة الى التفتيش عن رجال السند كي
يضطروا الى هذا التنويع. أما المتأخرون فقد خفت عليهم تلك القرائن لتطاول العهد ،
وقدم الزمن ، وحيث قام الدليل لديهم على حجية خبر الواحد ، فلا مناص لهم من تنويعه
وتقسيمه بلحاظ سنده ، وصفات راويه ثمّ النظر في شمول الدليل لأي قسم منه.
وبذلك أجاب الشيخ حسن بن الشهيد الثاني
معتذراً عن التنويع بعد اعترافه بحدوثه ، فقال : « فان القدماء لا علم لهم بهذا
الاصطلاح قطعاً لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ،
وإن اشتمل طريقه على ضعف ... فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التميز باصطلاح أو
غيره. فلما اندرست تلك الآثار ، واستقلت الأسانيد بالأخبار اضطر المتأخرون الى
تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد عن الشك ،