responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعلام الدين في صفات المؤمنين المؤلف : الديلمي، حسن بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 238

تفجعه بشيء هو مكين [١] به من أحبائه ، فالدنيا أحق بالذم ، هي الآخذة ما تعطي ، الراجعة فيما تهب ، بينا هي تضحك صاحبها ، إذ أضحكت منه ، وبينا هي تبكي له ، إذأبكت عليه ، وبينا هي تبسط كفه بالإعطاء ، إذ بسطتها بالاسترداد ، وتعقد التاج على الرأس ، وتعفره غداً في التراب ، سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بتي ، تجد [٢] في الباقي من الذاهب خلفاً ، وترضى بكل من كل بدلاً [٣].

وكتب الحسن البصري الى عمر بن عبد العزيز : أما بعد ، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة ، وإنما أنُزل آدم عليه‌السلام إليها عقوبة ، فاحذرها ـ يا أميرالمؤمنين ـ فإن المراد منها تركها ، والغنى منها فقرها ، لها في كل حين قتيل ، تذل مَن أعَزَّها ، وتفقر من جمعها ، هي كالسم يأكله من لايعرفه ، وهي جيفة ، وكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً ، فيصبر على حدة الدواء ، مخافة طول البلاء ، فاحذر هذه الدار الغرارة الختالة الخداعة ، التي قد زينت بخدعها ، وقتلت بغرورها ، وتحلت بآمالها ، وتشوفت لخطابها ، فأصبحت كالعروس المنجلية ، فالعيون إليها ناظرة ، والقلوب عليها والهة ، والنفوس لها عاشقة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، ولا الاخرعلى الأول مزدجر ، ولا العارف بالله عز وجل حين أخبره عنها يدّكر.

فعاشق لها مدلّهُ [٤] قد ظفر منها بحاجته ، فاغتر وطغى ونسي المعاد ، فشغل بها لبه ، حتى زلت عنها قدمه ، عظمت ندامته ، وكبرت حسرته ، واجمعت عليه سكرات الموت بألمها ، وحسرات الفوت بغصم كا ، ومن رغب فيها لم يدرك منها ما طلب ، ولم يروح نفسه من التعب ، فخرج بغير زاد ، وقدم على غير مهاد ، فاحذرها وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون منها ، فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته [٥] إلى مكروه ، السار فيها لأهلها غارّ ، والنافع منها غداً ضار ، وقد وصل الرخاء منها في البلاء ، وجعل البقاء فيها إلى فناء ، فسرورها مشوب بالأحزان ، لا يرجع فيها ما ولى وأدبر ، ولايدرى ما هو آت فينتظر ، أيامها الكاذبة ، وامالها باطلة ، وصفوها كدر ، وعيشها نكد ،


[١] في تنبيه الخواطر : ظنين.

[٢] في الأصل زيادة : فإن.

[٣] تنبيه الخواطر ١ : ١٤١.

[٤] التَدَلّه : ذهاب العقل من الهوى « لسان العرب ـ دله ـ ١٣ : ٤٨٨ ».

[٥] في الأصل : أسخطته ، وما أثبتناه من تنبيه الخواطر.

اسم الکتاب : أعلام الدين في صفات المؤمنين المؤلف : الديلمي، حسن بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست