ثمّ إنّ الشيخ مع اعترافه بأنّ تقييد الهيئة هو مقتضى القواعد، ذهب إلى امتناع رجوع القيد إلى مفاد الهيئة مستنداً إلى وجوه، سيوافيك بيانها بعد التنبيه على نكتة و هي أنّ القيود حسب اللبّ والواقع على قسمين: قسم يرجع إلى مادّة الواجب، و قسم يرجع إلى هيئته.و إن شئت قلت: قسم يرجع إلى موضوع الأمر، و قسم يرجع إلى نفس الأمر و البعث.
فإذا كانت المصلحة تترتّب على الصلاة في المسجد، والطواف حول البيت، لا على نفس الصلاة والطواف، فالقيد راجع إلى نفس المادة. فإذا قال: صلّ في المسجد، فلا شكّ أنّ القيد من قيود الصلاة و لأجل ذلك يجب عليه تحصيل المسجد، لإقامة الصلاة فيه. و مثله تقيّدها بالطهارة.
وأمّا إذا كان القيد مؤثراً في انقداح الإرادة و بعث المولى، بحيث لولاه لما بعث و لما طلب ، فلا شكّ أنّه راجع إلى نفس الهيئة، و إليك بعضَ الأمثلة:
1ـ إذا قال: «إن أفطرتَ فكفّر» ، أو :«إن ظاهرتَ فأعتق» فلا شكّ أنّ التكفير والعتق وافيان بالمصلحة المطلوبة ، والمصلحة قائمة بنفس التكفير، لا التفكير المقيّد بالإفطار. و هكذا المصلحة في جانب العتق فانّها قائمة بنفس العتق، لا العتق المقيد بالظهار. غير أنّ تعلّق إرادة المولى رهن صدور عمل محرِّم من العبد كالإفطار في شهر رمضان و الظهار، بحيث لولاهما، لما صدر منه بعث و لا أمر. ففي مثل هذه الموارد لاو جه لإرجاع القيد إلى المادة.
2ـ إذاكان المبعوث إليه تامّاً في الاشتمال على المصلحة، كحجّ المتسكع، و أداء الزكاة في الغلاّت و إن لم تبلغ حدّالنصاب، غير أنّ هناك مانعاً من بعث المولى إلى الحجّ و أداء الزكاة مطلقاً، و هو لزوم الحرج والضيق على المكلّفين، و لأجل ذلك يُقيِّد بعثه بالاستطاعة و بلوغ النصاب.