والمراد من أهلية التكليف صلاحية الإنسان لتوجيه الخطابات التكليفية الشرعية إليه، أي إيجاب شيء عليه أو تحريمه أو إباحته، ولا يتّصف الإنسان بهذه الأهلية إلّاإذا توفّر على الكمال البدني والعقلي، وقد حدّدت الشريعة المقدّسة ذلك بالبلوغ والعقل، فلا يكون الإنسان مخاطباً بالتكاليف الشرعية إلّاإذا بلغ عاقلًا.
هذا مضافاً إلى القدرة فإنّها من شروط التكليف العامة، فالطفل قبل البلوغ ليس له أهلية التكليف، وكذا المجنون، وهذه هي الشروط العامة للتكليف، وهذه الأهلية هي التي على أساسها تكون أهلية الإنسان للعقوبة والتبعة الدنيوية أو الاخروية، فمن لا أهلية له للتكليف- كالطفل والمجنون والعاجز- لا يستحقّ عقوبة على فعل أو ترك.
وأمّا الأهلية الوضعية- أي الأحكام والآثار الوضعيّة كالضمان لو أتلف مال الغير والملكية والزوجية والنجاسة والطهارة ونحو ذلك- فهي تثبت للإنسان في الشريعة منذ بداية وجوده؛ لأنّ هذه الأحكام الوضعية هي إمّا أوصاف للأشياء كالطهارة والنجاسة أو علاقات اعتبارية قائمة بينها وبين الإنسان أو أفعاله، وإن كانت قد تستتبع المسؤولية والتكليف أيضاً ولكنّه حكم آخر تكليفي يترتّب على ذاك الحكم الوضعي، وليس شرطاً في قوامه وحقيقته. ومن هنا يمكن شمول وسعة دائرة الأحكام الوضعية للطفل والمجنون ومن لا يمكن أن يسعه الحكم التكليفي بالمعنى المتقدّم، فالطفل يمكن أن يكون مالكاً أو زوجاً أو ضامناً أو محدثاً أو طاهراً وهكذا ما لم تشترط الشريعة نفسها البلوغ أو العقل أو القدرة على التكليف في الخطاب الوضعي، وفي الأحكام الوضعية التي تستتبع المسؤوليّة والتكليف تكون المسؤولية في مثل الطفل والمجنون على الوليّ، فالأهلية للوضع أوسع من الأهلية للتكليف.
رابعاً- أقسام الأهلية:
قسّموا الأهلية- في الفقه الوضعي وبعض المؤلّفات الاصولية كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك- إلى أهلية وجوب وأهلية أداء، وهذا التقسيم تقسيم للأهلية