جعفر عليه السلام قال: سألته عن لحوم الخيل والبغال والحمير، فقال: «حلال، ولكنّ الناس يعافونها» [1]، وغير ذلك من الروايات [2].
وفي قبال هذه الروايات روايات اخرى ظاهرها الحرمة:
منها: صحيح سعد بن سعد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته عن لحوم البراذين [3] والخيل والبغال، فقال:
«لا تأكلها» [4].
ومنها: صحيح ابن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام قال:... وسألته عن أكل الخيل والبغال، فقال: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عنها، ولا تأكلها إلّاأن تضطرّ إليها» [5]، وغيرهما من الروايات [6].
وحينئذ يرجّح عند تعارض الروايات دليل الجواز؛ لموافقته عموم الكتاب، فإنّ مقتضى قوله تعالى: «قُل لَاأَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ» [7] الجواز، ومن هنا لم يعمل المشهور بظواهر أخبار الحرمة، فلابدّ من حملها على التقيّة أو على الكراهة [8]، بمقتضى الجمع العرفي [9].
ولا شكّ في أنّ مرتبة الكراهة في هذه البهائم الأهلية ليست على حدّ واحد عند المشهور، حيث اتّفقوا على أنّ الخيل هي الأضعف كراهة [10]، لكنّهم اختلفوا في شدّة كراهة البغال أو الحمير، فبعضهم يرى أنّ لحم البغل أشدّ كراهة من لحم الحمار [11]، ودليلهم عليه- كما في الجواهر- الشهرة [12]. والبعض الآخر يرى أنّ لحم الحمار آكد كراهة من البغل [13]، ودليلهم عليه كثرة أخبار النهي عنه، وتوقّف بعض الفقهاء فيه [14].
وربّما علّلت أشدّية كراهة البغل لتركّبه من الفرس والحمار وهما مكروهان، وأشدّية كراهة الحمار لتولّده من مكروهين قويّي الكراهة، بخلاف البغل فإنّه متولّد من ضعيف وقوي [15]. لكن في الجواهر: أنّ التعليلين كما ترى [16].
وصرّح بعض الفقهاء بأنّ الاجتناب عن جميعها حسن، وعن الأخيرين أحسن إلّا مع الاضطرار، فيختار الأخفّ كراهة بحسب الطبع [17]. [1]
الوسائل 24: 122، ب 5 من الأطعمة المحرّمة، ح 3. [2] الوسائل 24: 118، 119، 120- 121، ب 4 من الأطعمة المحرّمة، ح 2، 5- 7، 11. [3] البراذين: جمع برذون، ويطلق على غير العربي منالخيل والبغال، وهو عظيم الخلقة، غليظ الأعضاء، قويّ الأرجل، عظيم الحوافر، وجمعه براذين. المعجم الوسيط: 48. [4] الوسائل 24: 122، ب 5 من الأطعمة المحرّمة، ح 5. [5] الوسائل 24: 121، ب 5 من الأطعمة المحرّمة، ح 1. [6] انظر: الوسائل 24: 118، 120، ب 4 من الأطعمة المحرّمة، ح 3، 10، و121- 122، ب 5، ح 2، 5. [7] الأنعام: 145. [8] جامع المدارك 5: 146. [9] مستمسك العروة 1: 282. [10] النهاية: 575. السرائر 3: 98. القواعد 3: 325. المسالك 12: 24. مجمع الفائدة 11: 163. كشف اللثام 9: 252. [11] المبسوط 4: 677. السرائر 3: 98. الجامع للشرائع: 381. القواعد 3: 325. الإرشاد 2: 110. [12] جواهر الكلام 36: 269. [13] المهذب 1: 26. المختلف 8: 302. المسالك 12: 24. كشف اللثام 9: 253. [14] الشرائع 3: 218. كفاية الأحكام 2: 597. مستند الشيعة 15: 106. جامع المدارك 5: 146. [15] انظر: المسالك 12: 24- 25. [16] انظر: جواهر الكلام 36: 269. [17] مجمع الفائدة 11: 163- 164.