المعاصرين في مقام الجمع بين روايات الحلّ والحرمة بأنّه: «لولا قرب احتمال التقيّة فيه [أي صحيح زرارة] لكان قرينة على حمل ما يظهر منه الحرمة على الكراهة» [1].
واختار بعض الفقهاء [2] التفصيل الظاهر من الشيخ الطوسي في المبسوط بين الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف والأبقع، وبين الزاغ: وهو غراب الزرع، والغداف: وهو أصغر منه، أغبر اللون كالرماد، حيث قال بحرمة الأوّلين وحلّية الأخيرين [3].
لكنّه لم يذكر دليلًا على التفصيل المذكور غير ما صرّح به في الخلاف من أنّه «روي في بعضها رخص، وهو الزاغ:
وهو غراب الزرع، والغداف: وهو أصغر منه، أغبر اللون كالرماد» [4]، إلّاأنّه لم يعتمد على هذه الرواية المرسلة، بل اكتفى بدعوى إجماع الفرقة وأخبارها على الحرمة في مطلق الغراب [5].
وذكر الحلّي تفصيلًا آخر بين الزاغ وغيره، فقال بحلّية الأوّل على كراهة دون غيره [6].
ومثله العلّامة في التحرير [7]، ولم يذكروا لذلك دليلًا.
ومن هنا صرّح المحقّق النجفي بأنّه:
«لم نجد شيئاً يدلّ على شيء من هذه التفاصيل- كما اعترف به غير واحد- سوى ما عساه يقال ممّا أرسله في الخلاف من ورود الرخصة في الأخيرين [أي غراب الزرع والغداف] مع الانجبار بدعوى الشهرة» [8].
فتلخّص من ذلك كلّه أنّ الأقوال في الغراب أربعة: الحرمة مطلقاً، الحلّ مطلقاً، التفصيل بين الزاغ والغداف وبين غيرهما، والتفصيل بين الزاغ وغيره، وظهر أنّ الأوّل هو المشهور بين المتأخّرين، حيث إنّ الغراب في جميع أقسامه له مخلب وإن
[1] مهذب الأحكام 23: 127. [2] جامع المقاصد 4: 19. الروضة 7: 275. [3] المبسوط 4: 678. على ما استظهره منه الشهيد في المسالك 12: 38. [4] الخلاف 6: 85، م 15. [5] الخلاف 6: 85، م 15. [6] السرائر 3: 103. [7] التحرير 4: 634. [8] جواهر الكلام 36: 302.