الصانع بالصنع في قبال التزام المستصنِع بشرائه على تقدير الصنع.
وثانياً: أنّ العقد ليس مطلق الالتزام الجازم بعمل للآخر أو مع التزام الآخر بعمل وبنحو التوافق والتعاهد، وإلّا كان كلّ تعهّد جازم بفعل للآخر عقداً واجب الوفاء به، كما إذا التزم أن يخرج في يوم معيّن في قبال أن يخرج الآخر أيضاً في نفس اليوم أو في يوم آخر، أو أن يسافر إلى زيارة صديقه أو غير ذلك ممّا لا إشكال في كونه من الوعد غير الواجب. بل العقد هو ربط شيء بشيء آخر وإبرامه به، وهذا في الامور الاعتباريّة الإنشائيّة يكون بربط التزام وإنشاء بالتزام وإنشاء آخر، ولا يتحقّق ذلك إلّا بإنشاء حقّ لأحد الطرفين أو لكليهما، بأن يكون للمنشأ والملتزم به نحو وجود اعتباري إنشائي كالملكيّة والزوجيّة والولاية وغيرها من الحقوق الاعتباريّة القانونيّة. وأمّا مجرّد الالتزام به- ولو كان في قبال التزام الآخر وبنحو التوافق بينهما من دون حصول علقة وضعيّة في البين- فإنّه لا يكون عقداً كما في هذا الفرض، فإنّ مجرّد التزام الصانع بصنع شيء في قبال التزام المستصنِع بشرائه منه بعد الصنع غير كافٍ في صدق العقد ما لم يرجع إلى إنشاء حقّ في البين من تمليك عين أو منفعة أو عمل أو حقّ وضعي آخر، والمفروض هنا أنّ المنشأ هو الالتزام في قبال الالتزام الآخر، لا حقّ الملكيّة، ولا حقّ وضعي آخر [1]).
ج- إنّ المنشأ في عقد الاستصناع ليس من سنخ الملكيّة للعين أو العمل ليرجع إلى البيع أو الإجارة، ولا التزام في قبال التزام آخر ليرد فيه بأنّ العقد ليس مجرّد الالتزام من طرف أو مع التزام الطرف الآخر، بل المنشأ هو الحقّ الذي هو من سنخ العهدة، فالصانع بموجب هذا العقد يتعهّد بأن يصنع للمستصنِع المتاع الذي يريده وأن يعرضه عليه في الوقت المقرّر في قبال تعهّد المستصنِع بشرائه منه في ذلك الوقت بقيمته السوقيّة- مثلًا- فيكون الاستصناع حينئذٍ نظير عقد الضمان بناءً على كونه من باب ضمّ العهدة إلى العهدة، ونظير عقد الكفالة بناءً على أنّه تعهّد بإحضار المكفول عند طلبه ذلك، ولا يشترط في صدق العقد أن يكون الحقّ الذي ينشؤه الطرفان من سنخ الملكيّة، بل يكفي فيه كونه من سنخ العهدة.
وأثر ذلك هنا هو جواز إلزام كلّ من الطرفين بما التزم وتعهّد، بل قد يكون من آثاره تحمّل الطرف المتعهّد وضمانه للخسارة أو الضرر الحاصل للطرف الآخر لو لم يف بتعهّده وتخلّف عنه.
ويرد عليه:
أوّلًا: أنّ هذا البيان قد يكون صحيحاً فيما إذا لم يكن للمتعاملين غرض في العين المصنوعة فعلًا، بل كان لهما غرض آخر مستقلّ عن تملّك الشيء المطلوب بالفعل، كما إذا كان إعداد الشيء المطلوب وتهيئته في وقت الحاجة إليه صعباً فيتّفق الشخص مع الآخر على أن يهيّئ له ذلك الشيء قبل وقت الحاجة إليه ثمّ تقع عليه المعاملة بينهما في المستقبل، فليس هناك غرض إلّا إعداد الشيء المطلوب قبل وقت الحاجة، وليس لهما غرض في تملّك ذلك الشيء بالفعل. [1] انظر: الإجارة (الشاهرودي) 1: 40- 41.