بل يمكن الاستدلال له بصحيحة الأحول المتقدّمة التي ورد فيها التحديد بنحو خمسة عشر ذراعاً، فإنّ ظاهرها عدم اعتبار المشي الكثير، مع أنّ من الواضح عدم كون هذا المقدار من المشي موجباً لإزالة الأثر غالباً [1]).
أمّا ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه السلام: «حتى يذهب أثرها» فالمتيقّن منه ذهاب العين على نحو لا يبقى منها شيء يعتدّ به، كما هو المتعارف في الاستعمالات. وأمّا زوال اللون والرائحة فلا دليل على اعتباره عرفاً في الغسل بالماء فضلًا عن التطهير بالأرض [2]).
والظاهر أنّ هذا المقدار من الأثر لا كلام بين الفقهاء في عدم اعتبار زواله في التطهير، بل هو مفروغ عنه في مسألة التطهير بالماء. وإنّما وقع الكلام في الأثر بمعنى الأجزاء الصغار التي لا شكّ لديهم في اعتبار إزالتها في التطهير بالماء. فقد أطلق بعضهم القول بوجوب إزالته [3]).
وأطلق آخر القول بعدم وجوبها [4]، واختاره صاحب الجواهر على إطلاقه ظاهراً [5]).
وجه الأوّل الأصل، وقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «يمسحها حتى يذهب أثرها»، ومعروفية توقّف تطهير النجاسات على إزالة آثارها. على أنّ المراد بالأثر هنا الأجزاء الصغار التي تبقى ملتصقة من عين النجاسة، فيدلّ على وجوب إزالتها حينئذٍ ما دلّ على وجوب إزالة أصل العين.
ووجه الثاني إطلاق باقي النصوص، والمناسبة لسهولة الملّة وسماحتها، بل ولحكمة أصل مشروعية هذا الحكم من التخفيف ونحوه، وللزوم العسر والحرج من التكليف بإزالتها وغير ذلك [6]).
وجاءت عبارات المحقّقين من المتأخّرين أكثر دقّة، فذهبوا إلى أنّه لا بدّ
[1] انظر: الطهارة (تراث الشيخ الأعظم) 5: 304. مصباح الفقيه 8: 330- 331. مستمسك العروة 2: 72، لكنّه اكتفى بنفي الإشكال عنه وأحال معرفة دليله إلى مطهّرية الماء. التنقيح في شرح العروة (الطهارة) 3: 133. [2] التنقيح في شرح العروة (الطهارة) 3: 133. [3] الدرّة النجفيّة: 53. [4] كشف الغطاء 2: 383. [5] جواهر الكلام 6: 311. [6] انظر: جواهر الكلام 6: 310- 311.