اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 1 صفحة : 52
قال الله تعالى حكاية عن العرب أَ إِذا ضَلَلْنا فِي
الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ[1] يعنون إذا هلكنا فيها و
كان المعنى في قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ما قدمناه و
بيناه وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ما وصفناه و المعنى في قوله تعالى يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه و منعه
الألطاف جزاء له على إساءته فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق و تضييقه عقاب
المعصية بمنع التوفيق و ليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لأهل الخلاف فيما
ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الإيمان و يصد عن الإسلام و يريد الكفر و يشاء
الضلال.
و أما قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ
رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً[2] فالمراد به الإخبار عن
قدرته و أنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان و يحملهم عليه بالإكراه و الاضطرار لكان
على ذلك قادرا لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع و الاختيار و آخر الآية يدل
على ما ذكرناه و هو قوله تعالى أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[3] يريد أنه قادر
على إكراههم على الإيمان لكنه لا يفعل ذلك و لو شاء لتيسر عليه و كل ما يتعلقون به
من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه و فرار المجبرة من
إطلاق القول بأن الله تعالى يريد أن يعصى و يكفر به و يقتل أولياؤه و يشتم أحباؤه
إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم و يريد أن تكون معاصيه قبائح منهيا
عنها وقوع فيما هربوا منه و تورط فيما كرهوه و ذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح
كما علم