بديهيا للجميع لكان تحديد الموقف العملي المطلوب تجاه الشريعة في كل واقعة أمرا ميسورا لكل احد و لما احتاج إلى بحث علمي و دراسة واسعة، و لكن عوامل عديدة منها بعدنا الزمني عن عصر التشريع أدّت إلى عدم وضوح عدد كبير من أحكام الشريعة و اكتنافها بالغموض.
و على هذا الأساس كان من الضروري أن يوضع علم يتولّى دفع الغموض عن الموقف العملي تجاه الشريعة في كل واقعة بإقامة الدليل على تعيينه.
و هكذا كان فقد أنشئ علم الفقه للقيام بهذه المهمّة، فهو يشتمل على تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا، و الفقيه في علم الفقه يمارس إقامة الدليل على تعيين الموقف العملي في كل حدث من أحداث الحياة، و هذا ما نطلق عليه اسم «عملية استنباط الحكم الشرعي» (1).
و لأجل هذا يمكن القول بأن علم الفقه هو: علم استنباط الأحكام الشرعية أو علم عملية الاستنباط بتعبير آخر.
و تحديد الموقف العملي بدليل يتمّ في علم الفقه بأسلوبين:
(1) فالتدخين أمر علينا أن نقيم الدليل على تعيين الموقف العملي منه، فنقول:
لم يرد آية و لا رواية في حرمة التدخين، و قاعدة البراءة تفيد عدم الحرمة (لأننا لا نعلم بالحرمة) فالموقف العملي يصير حلّية التدخين. هذا الكلام يقولونه في علم الفقه الاستدلالي، و هذه العملية تسمّى بعملية الاستنباط.