التابعين يوما شبهة الجبر، فردّه كل منهم بكلام خاص انفرد به، فلما سألهم عن المأخذ قال كل منهم: إنّه أخذ ذلك عن عليّ بن أبي طالب 7، فقال الحجاج: لقد جئتموها من عين صافية.
و لقد كان ابن عم رسول اللّه يفيض على ابناء عصره و مصره بعلوم النبوّة و معارف الدين العالية، إلاّ أنّ أكثرهم لم يكونوا ليفهموها، بل كانوا يحملون هاتيك الكلم الجامعة إلى من ولدوا بعدهم كما قيل: رب حامل فقه إلى من هو أفقه.
و نظير هذا آيات التوحيد و الرؤية و الكلام و العدل، تلك الآيات التي تدبر فيها حكماء الإسلام في القرون المتأخّرة و أظهروا معارفها العالية التي لم تخطر ببال أحد في عصر الصحابة.
و أوضح برهان لنا في المقام: وجود جمل في خطب نهج البلاغة تنطق بحركة الأرض، و تنطبق على اصول الهيئة الجديدة و مسائلها التي حدثت بعد الألف الهجري؛ كقوله 7 في صفة الأرض: «فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو تسبخ بحملها» و قوله 7: «و عدل حركتها بالراسيات من جلاميدها» و كلنا نعلم أن الرأي القائل بتحرّك الأرض مع سكونها الظاهر مستحدث من بعد (غاليلة الايطالي) و (كوبرنيك الألماني) و (نيوتن الانجليزي) ، و رأى ثبوت الحركات العشر للأرض متأخر عنهم جدا. و كل هذه الآراء حادثة بعد انتشار شروح نهج البلاغة، فضلا عن النهج الذي اشتهر أمره من قبلها، فهل يسوغ لامرىء ان يشك في تأليف نهج البلاغة و شروحه بحجّة أنها مشتملة على مسائل الهيئة المتأخرة عن الألف الهجري؟» [1] .
و إلى ذلك يشير إبن أبي الحديد بقوله: «ان التوحيد و العدل و المباحث الشريفة الالهية، ما عرفت إلاّ بكلام هذاالرجل[ الامام عليّ 7]و ان كلام غيره من أكابر الصحابة لم يتضمّن شيئا من ذلك أصلا، و لا كانوا يتصوّرنه، و لو تصوّروه لذكروه، و هذه الفضيلة عندي من أعظم فضائله» [2] .