الأشعرية و الصفاتية و المعتزلة، و نشأة ذلك العلم و تلك الفرق متأخرة عن علي في الوجود، و لا تخلنّ من ذلك أنا نرمي الإمام بجهله بعلم التوحيد. لا، و لكنا نقول: إن التوحيد بالمعنى العلمي المعهود و مباحثه المعروفة لم تكن وجدت في ذلك الحين» [1] .
قال الجلالي: غريب جدا أن يستنكر مفكّر عربي صدور مثل هذا الكلام، فإنّ المنطق ليس شيئا ماوراء حياة الناس، و ليس في الخطبة شيئا من المصطلحات المنطقية المتأخرة، و انما هي بيان حقائق تشير إلى حقائق أخر، و القضية المنطقية تحتاج إلى مقدمتين كبرى و صغرى يجمعها الحد الأوسط و باسقاطه تثبت النتيجة، و ليس في الخطبة شيء من ذلك.
فقول الكاتب بأنّها: «في قالب مقدّمات منطقية تفضي إلى نتيجة» إمّا هو جهل بقواعد المنطق أو تغافل عن حقائق متسلسلة يشرحها الإمام ليصل إلى نتيجة وصل إليها بفكره الخاص، و ليس ذلك بمستنكر من شخصية اسلامية مثله.
و من هنا يظهر ما في كلام الاستاذ زكي من: «أن تلك المباحث من مباحث علم الكلام» ، فإنّ علم الكلام علم قائم بذاته متأخّر طبعا عن عصر الرسالة و الإمام، و لكن استعمال هذه المباحث في نصوص القرآن و أحاديث الرسول و كلام الإمام و غيره من المفكرين المسلمين لا يعني انّهم استعلموا المصطلحات بل انما استخدموا الألفاظ بمعانيها اللغوية و في العصر المتأخر أصبح مصطلحا كلاميا، و استخدام كلمة «ثنّاه» لا تعني في الاستعمال القرآني و الحديثي سوى معناها اللغوي و ان بنى عليها المتأخرون المعاني الاصطلاحية، بل ان المعنى المصطلح لا يتحقق إلاّ بعد تحقق الاستعمال اللغوي.
و نعم ما أجاب عن ذلك السيد الشهرستاني بقوله: «إنّ المتأخر أخذ عن المتقدّم، لأن المتأخّر نسب إلى المتقدم، و بيان ذلك: انّ علماء الإسلام المتأخرين إنما توسعوا في علومهم بعد ما تعمّقوا في آيات التوحيد و المعارف القرآنية، و ما وصل إليهم من خطب عليّ و كلماته في أبواب التوحيد و شؤون العالم الربوبي، حتى أن الحجاج ألقى على علماء