على أنه يجب أن لا نغفل عن أن المشاورة و تبادل الرأي إنما يصح إذا لم يكن في المقام حكم قطعي، و إلّا كانت الشورى و المشاورة أمرا خطأ، غير صحيح.
و على سبيل المثال: لا يصح للناس أن يتشاوروا في ما بينهم في أن الشخص الجائع هل يجب عليه أن يأكل الطعام أو لا؛ لأن الجائع- بحكم الضرورة و الفطرة- مضطر إلى أن يأكل طعاما.
إنّ المشورة الإسلامية و المشاورة التي يحث عليها الإسلام إنما تكون في المورد الذي لم يكن فيه حكم قاطع من جانب اللّه تعالى؛ لأن حكم اللّه مثل حكم العقل واجب الاتباع، و من هذه الجهة حددت المشاورة و الشورى في القرآن الكريم بهذا النحو:
و بهذا الدليل نفسه وضع في الآية الأولى من الآيتين السالفتين كلمة أَمْرِهِمْ في موضوع الشورى إيحاء بأن المراد هو تجويز المشاورة في الأمور التي يجوز للمسلمين اتخاذ القرار فيها، و يكون الشأن من شئونهم و أعمالهم يعنى في ما لم يصدر فيه من اللّه حكم إلزامي قطعي.
فلسفة تحديد المشاورة:
إن فلسفة هذا التحديد واضحة كل الوضوح؛ لأن المشاورة و الاستشارة تعني دائما تحرّي المصلحة و هي أفضل طريق للوصول إلى الهدف المطلوب، و لا شك في أن اللّه العزيز الحكيم المطلق، رءوف بعباده كل الرأفة، لطيف كل اللطف،