الموضوعية أيضا من جهة كونه موجبا لرفع الخصومة و لو الفرضية الاحتمالية [1] و لكن على كل تقدير لا يشمل الدليل ما علم بمخالفته للواقع علما قطعيا؛ لأن الأمارة و الأصل حجة في ظرف الشك، و عدم العلم بالواقع، و رعاية لمصلحة التسهيل و التيسير، لا في صورة العلم بالواقع و وجدانه، و لذلك ليس شيء من الأمارات و الأصول العملية بحجة في حالة العلم بالموافق أو المخالف؛ لأن الحجة الشرعية- حسب الاصطلاح- تعني الدليل، و ليس للدليل أيّ معنى لمن أدرك الحقيقة و الواقع بنفسه، بل هو غير معقول أساسا.
و قد بحث عن هذا الموضوع بنحو كامل في علم أصول الفقه.
و خلاصة القول: أنه يجوز نقض الحكم لمن علم بخطإ الحاكم، و لكنه باق على حجيته و نفوذه بالنسبة للآخرين.
الحالة الثالثة- الخطأ في مقابل الدليل أو الخطأ المظنون:
هل كما يوجب العلم القطعي بخطإ الحاكم في الحكم سقوطه عن الحجية و الاعتبار، توجب الأمارة الشرعية (الدليل) مثل البينة (شهادة عدلين) أو الفتوى المخالفة ذلك أيضا أو لا؟ مع العلم بوجود هذا الفرق و هو أنّه في صورة العلم بالخطإ لا مجال لاحتمال الصحة في الحكم أبدا، و شمول الدليل غير معقول؟
و لكن في صورة قيام الأمارة على الخطأ يبقى احتمال الصحة الواقعية على حاله؛ لأنّ الأمارة حجة بملاك الظن لا القطع، و ما هو قطعي إنما هو خطأ الحاكم في طريق الحكم (الاجتهاد أو التطبيق) لا في أصل الحكم، يعني أن الحاكم
[1] المراد من الخصومة الفرضية و الاحتمالية عبارة عن الموضوعات غير القضائية مثل هلال أول الشهر و أمثاله التي شرع «حكم الحاكم» فيها بلحاظ حفظ النظم و رعاية المصالح العامة و المنع عن وقوع الاختلاف، في مقابل الخصومات الفعلية التي تقع في الموضوعات القضائية و النزاعات الشخصية.