و الاجتهاد المدعى- في عصر الرسول 6- إن كان يقتصر على معرفة الخاص من العام، و المقيد من المطلق، و المنسوخ من الناسخ، و المجمل من المبين، و المتشابه من المحكم، و الظاهر من الباطن، و تخريج أحدهما من الآخر، و وضع كل منها في محله و موضعه، فليس هذا من الاجتهاد المصطلح الذي سار عليه الفقهاء من بعده، و إن الاجتهاد لم يكن- يوم ذاك- على قاعدة «تحصيل الحجج على الأحكام الشرعية، و الوظائف العملية شرعية و عقلية» [1] فلا مندوحة له و فيهم الرسول، و هو الحجة البالغة، و لما يكتمل الوحي، و لما ينقطع عنه، و لربّما يأتي اللّه به أو يأتي به الرسول.
و ما روي عن النبي أنه قال لمعاذ بن جبل حين بعثه قاضيا إلى اليمن:
«فإن لم تجد في سنة رسول اللّه، و لا في كتاب اللّه؟ قال: أجتهد رأيي و لا آلو ...
قال الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضى رسول اللّه» [2].
ففي هذه الرواية فجوات من الضعف المزدوج، في سندها و مدلولها [3] لما فيها من:
1- تعرض النبي 6 لنقص الكتاب و السنة، و إكمالها بالرأي الذي لا يستند إليهما.
2- اختلاف القضاء عن الفتوى و الاجتهاد، و منه قضاء التحكيم، فيما يرضى به الطرفان المتنازعان. و لعله لمثل هذا أجاز له القضاء.
[1] مصباح الأصول 1: 434، تقرير أبحاث الإمام الخوئي الاجتهادية للشهيد السّعيد السيّد سرور الأفغاني. و نقله العلّامة السيّد محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن: 563.