و ذهب جمع ثالث- و هم الأكثر- إلى التحريم لا لنفس العمل، بل للعناوين الثانويّة الطارئة، و هي تلك الجوانب السلبية المظلمة التي ذكرناها في الفصل الثاني، نذكر على سبيل المثال: تكثير المجرمين و السفاكين، و إيجاد الأسلحة الجرثوميّة الفتاكة التي تقضي على الجنس البشريّ كلّه، و غير ذلك من الوجوه.
و ذكرنا أنّ ذلك مجرّد افتراض لا يمكن أن يكون دليلا لإثبات حكم لا بدّ أن يبتني على أصول و قواعد محكمة، مع أنّه لا يختصّ بالاستنساخ، فكلّ واجب أو مباح صار سببا لمثل ذلك انقلب إلى الحرمة، لكن لا على سبيل الافتراض، بل على سبيل الحقيقة و الاقتضاء التامّ.
هذه هي الآراء التي ذكرت في وجه تحريم الاستنساخ، و عرفت ما يتعلّق بها من المناقشات.
القول الثاني: التفصيل بين العمل في مجال الهندسة الوراثيّة، فالرأي هو الجواز مطلقا،
لأجل الآثار الطيبة التي يجينها الإنسان من هذا المجال، و قد ذكرنا كثيرا منها فيما سلف.
و بين الاستنساخ، فالقول هو التحريم لما يترتّب عليه من الآثار السيئة، و الأهداف غير المشروعة. و استدلّ عليه بأنّ الاستنساخ إساءة الاستخدام، و أنّ فيه الوصول إلى الأهداف غير المشروعة، و أنّ فيه تسلّط الإنسان على نفسه، و هو غير مسموح به شرعا، فإنّ تصرّفات الإنسان في جسده محدودة بالحدود التي نصّ عليها الشارع، و كذلك الأمر بالتصرّف في أجساد الآخرين.
و عليه، فيجوز إذا كانت الأهداف مشروعة، مشروطة بأن تكون في مجال الاطلاع على قوانين اللّه في الخلق و توسيع آفاق العلم و المعرفة. و أمّا التعميم على النسل البشريّ فالحرمة، لأنّه يستلزم هدم الأسرة، و نسف الحياة