فقد بلغ الكلف بالمنكرين على الصلح حدا استساغوا به الاسترسال في ذيوله و حواشيه، فحوّروا ما كان، و زوّروا ما لم يكن. و من هنا سج الخيال حديث البيعة، و كان في اللغط بهذا الحديث-المصطنع-غرض قويّ للقوة القائمة على الحكم بعد حادثة الصلح، لأنه الدعامة التي تسند دعاويهم باستحقاق الخلافة المزعومة، الامر الذي تصايح المسلمون بانكاره لهم و انكارهم له، منذ قال سفينة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك و أول الملوك معاوية» .
ثم جاءت السطحية الساذجة التي تقمصها اخواننا المؤرخون فيما جمعوه أو فيما فرّقوه من تاريخ الاسلام، فمرّوا على هذه الاقصوصة المصطنعة كحقيقة واقعة، و كان القليل منهم من وقف عن الفضول في الكلام، و كان منهم من جاوز الحقيقة فخلط و خبط، حتى نسب الى الحسن نفسه الاعتراف بالبيعة صريحا!. و كان منهم من أوقعه الخلط و الخبط في فرية وضيعة لا تجمل بمروءة الرجل المسلم فيما يكتبه عن سبط من أسباط نبيه العظيم (ص) ، فضلا عن نبوها المكشوف بأمانة التاريخ، فادّعى انه باع الخلافة بالمال!!.
و لسنا الآن بصدد الردّ على تقولات الافاكين.
و لكننا اذ نبرئ حديث الصلح بواقعه الاول الذي رضيه الفريقان من قضية البيعة المزعومة، لا نعتمد في التبرئة الاّ على الفهم الذي يجب ان يفهمه المسلم من معنى البيعة و من معنى الامامة على حقيقتهما-هذا أولا و أما ثانيا فلما مرّ عليك قريبا من روايات الحادثة، و من تصريحات ذوي الشأن في الموضوع.
و ما من حقيقة تتعاون على تقريرها مثل هذه الادلة فتبقي مجالا للشك.
و قديما اعتاد الناس أن يرجعوا في كشف الوقائع الماضية الى اقوال المؤرخين القدامى، ممن عاصر تلك الوقائع أو جاء بعدها بقليل أو كثير من الزمن. و كان من الجمود على هذه الطريقة ما أدى في الاجيال المتأخرة