و جاء فيما يرويه الكليني رحمه اللّه (ص 61) : «ان الحسن اشترط على معاوية أن لا يسميه أمير المؤمنين» .
و جاء فيما يرويه ابن بابويه رحمة اللّه في العلل (ص 81) ، و رواه غيره أيضا: «أن الحسن اشترط على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة» .
و لا أكثر مما تضمنته هاتان الروايتان تحفظا عن الاعتراف بصحة خلافة معاوية فضلا عن البيعة له. و لم يكن ثمة الاّ تسليم الملك الذي عبرت عنه المعاهدة «بتسليم الامر» و عبر عنه آخرون بتسليم الحكم.
اما قول الدينوري في «الامامة و السياسة» أن الحسن بايع معاوية على الامامة، فهو القول الذي يصطدم قبل كل شيء بقابليات معاوية التي عرفنا قريبا النسبة بينها و بين الخلافة و صلاحية البيعة على المسلمين، و يصطدم ثانيا بتصريحات الحسن في انكار خلافة معاوية. سواء في خطابيه الآنفين، أو في تحفظاته الواضحة في هاتين الروايتين.
و هكذا دلّ الدينوري فيما مرّ عليه من قضايا الحسن و معاوية، على تحيز واضح لا يليق بمؤرخ يعيش في القرن الثالث حيث لا معاوية و لا رشواته و لا دعاواته، و لكنها الدوافع العاطفية التي لم يسلم من تأثيرها كثير من مؤرخينا المسلمين... فقال مرة اخرى: «و لم ير الحسن و الحسين طول حياة معاوية منه سوءا في أنفسهما و لا مكروها!» . أقول:
و أي سوء يصاب به انسان أعظم من قتله سما؟. و أى مكروه ينزل بانسان أفظع من اغتصاب عرشه ظلما؟. فأين مقاييس الدينوري بعد هذا يا ترى؟ و نحن اذ أردنا هنا، ان نتعسف للمتسرعين الى ذكر البيعة عذرا أو شبه عذر، حملناهم على التأثر بالدعاوات الكثيرة التي كانت لا تزال آخذة بالاسماع، و لم يكن في التاريخ قضية أبرز من انتقال الحكم في الاسلام من سبط النبي نفسه، الى طلق من الطلقاء المعروفين بتاريخهم القريب، و لذلك