و بعد احتمال هذا المعنى، كان المرجع فهم العرف بعين ما ذكرنا سابقا.
و عليه فلا يبقى لنا طريق لجعل هذه التوسعة من الوظائف الظاهرية، الملازمة لجعل الجدي من الأمارات التعبدية الظنية، و حينئذ صح لنا دعوى:
عدم تقديم الأمارات العلمية على الجدي، و لو بناء على التشكيك في شمول دليله لحال التمكن من العلم، فضلا عما لو قيل بالإطلاق، و أنّ ذلك أيضا من باب التوسعة في أمر القبلة ظاهرا، كما لا يخفى.
و مع فقد الأمارات العلمية، حتى مثل الجدي، أو ما هو معلوم الأمارية بالمقايسة إليه، بل و البينة الشرعية- على التفصيل المشار إليه سابقا- يجزئ الظن الاجتهادي، لما في النص من قوله: «يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يدر أين وجه القبلة» [1].
و مع عدم التمكن من الظن المزبور، قد يتوهم الاكتفاء بما بين المشرق و المغرب، لإطلاق قوله: أين حد القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كله» [2].
و فيه: انّ غاية ما يستفاد انه ينتهي إليه حد القبلة، و أما أنّ هذا وظيفة من يكون؟ فلم يكن بصدد بيانه. فالقدر المتيقن هو الذي صلّى إليه جهلا أو غفلة، ثم انكشف وقوعها بينهما، و لذا لم يتوهم شمول إطلاقه للمتمكن من تحصيل القبلة بالعلم، بل و بالظن أيضا.
و حينئذ فلا يشمل إطلاقه مقامنا، فلا محيص إلّا أن يصلّي إلى أربع جهات مع الاختيار كما هو المشهور.
[1] وسائل الشيعة 3: 223 باب 6 من أبواب القبلة حديث 1.
[2] وسائل الشيعة 3: 217 باب 2 من أبواب القبلة حديث 9.