فيتعيّن الأوّل، و هو المطلوب. و أورد على ذلك السيد الأستاذ: بأنّ الثالث لا يستلزم الترجيح بلا مرجّح، فإنّ الأدلّة الأوليّة بعضها مطلقة و بعضها عامّة، و القاعدة مطلقة، و التعارض إنّما يستحكم بين مطلق و مطلق، و أمّا المطلق مع العامّ فيقدّم العامّ عليه، فتقديم بعض الأدلّة الأوليّة و هي العمومات على القاعدة ليس ترجيحا بلا مرجّح، فالعمومات تقدّم على إطلاق ال قاعدة، و الإطلاقات تتعارض مع إطلاقها و يتساقطان«». أقول: إنّ هذا الكلام و إن كان رفعا لمحذور الشقّ الثالث، و لكنّه رجوع إلى محذور الشقّ الثاني، فإنّه على كلّ حال قد فرض سقوط القاعدة رأسا بتقدّم العامّ عليها في بعض الموارد، و بالتساقط مع المطلقات في الباقي. هذا. و يمكن توجيه ما عرفته من التقريب الثالث [1]: بأن يكون مراد من ذكره أنّ (لا ضرر) بنصوصيّته على نفي الضرر في الجملة و تخصيص بعض الأحكام يقدّم على المجموع، فيوقع التعارض بين أدلّة الأحكام الأوليّة أنفسها، و بعد التساقط نرجع إلى إطلاق (لا ضرر). و لا يرد على ذلك أنّه إذا وقع التعارض بين أدلّة الأحكام الأوليّة أنفسها قدّمت عموماتها على إطلاقاتها، فإنّ تقديم العموم على الإطلاق إنّما نقول به عند تعارضهما بالتكاذب الصريح، فنقول - عندئذ -: إنّ العامّ قد يكون بأقوائيّته قرينة على رفع اليد عن الإطلاق، و لكن إذا كان تعارضهما بملاك تشكّل العلم الإجمالي بكذب أحدهما فلا يأتي هذا الكلام. و يمكن الاستشكال في هذا التقريب بعد توجيهه بما عرفت بوجهين: الوجه الأوّل: أنّه لا وجه للرجوع إلى إطلاق (لا ضرر) بعد تساقط إطلاقات
[1] كأنّ السبب في حاجة هذا التقريب إلى التوجيه رغم ما مضى من الاعتراض على ما أورده السيد الخوئي رحمه اللّه عليه: أنّ ذاك الاعتراض لا يصحّح التقريب بكامل جوانبه، و ذلك لأنّ خلاصة الاعتراض على كلام السيد الخوئي و الّذي هو تأييد لذاك التقريب هي: أنّه لو قدّمت العمومات على (لا ضرر) و أسقط (لا ضرر) بالتعارض مع المطلقات لزم سقوط (لا ضرر) نهائيا، فهذا الشقّ الثالث - أيضا - باطل كالشقّ الثاني، و لكنّ هذا كما ترى لا يثبت الشقّ الأوّل كاملا، إذ يمكن أن يقال: إنّه يكفي لعدم سقوط (لا ضرر) نهائيا تقديمه على المطلقات فقط، فالعمومات تقدّم على (لا ضرر) لأرجحيّة العموم على الإطلاق و (لا ضرر) يقدّم على المطلقات، لكي لا يلزم سقوطه نهائيا، فدفعا لهذا الضعف احتجنا إلى التوجيه الوارد في المتن.