رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: «أيها الناس، قد فرض اللّه عليكم
الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللّه؟فسكت. حتى قالها ثلاثا. فقال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم.
ثم قال: ذروني ما تركتكم، فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم
على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن
شيء فدعوه»و سند الرواية منجبر باشتهار الاستدلال به في كلمات الأصحاب.
وتقريب الاستدلال: ان كلمة من في قوله عليه السلام (منه)ظاهرة في كونها
تبعيضية، لكونها الأصل فيها، كما ان كلمة(ما)في قوله عليه السلام (ما
استطعتم)ظاهرة في كونها موصولة، فيكون مفاد الحديث لزوم الإتيان بما هو
المقدور من اجزاء المأمور به وشرائطه.
و لكن لا يخفى عدم صحة الاستدلال المزبور وذلك.
أولا: فلعدم ثبوت الرواية على النحو المذكور، فانها وان كانت مروية في صحيح مسلم[1]كذلك، إلاّ انها مروية في سنن النسائي الّذي هو أيضا من الصحاح[2]عندهم
بوجه آخر، وهو قوله عليه السلام في آخر الرواية(فإذا أمرتكم بشيء فخذوا
به ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)و من الظاهر ان كلمة(ما)في هذه
الرواية لا تصلح إلاّ أن تكون ظرفية زمانية، فمفادها وجوب الإتيان
بالمأمور به عند الاستطاعة والقدرة، وهو أجنبي عما نحن بصدده. فإذا كان متن
الرواية منقولا بطريقين مختلفين في المفاد، لم يصح الاستدلال بها على أحد
الطريقين.
لا يقال: ان اختلاف الطريق لا يضر بالاستدلال بعد كون أحدهما منجبرا بالشهرة عند الأصحاب دون الآخر.
[1]صحيح مسلم: باب فرض الحج مرة في العمر، ح 1337. [2]سنن النسائي: كتاب الحج، باب 1، ح 1.