فصدقه وكذبهم»[1]و
من الواضح عدم إرادة التصديق العملي من ذلك، وإلاّ لم يكن وجه لتقديم قول
الواحد على قول خمسين، فالمراد بتصديقه عدم المبارزة له بالتكذيب بترتيب
أثر الكذب على خبره. ومما يشهد لذلك مورد نزول الآية، ففي تفسير علي بن
إبراهيم القمي انها نزلت في عبد اللّه بن نفيل، فانه كان يسمع كلام النبي
صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وينقله إلى المنافقين، حتى أوقف اللّه نبيه على
هذه النميمة، «فأحضره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وسأله، فحلف انه لم يكن
شيء مما ينم عليه، فقبل منه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأخذ هذا
الرّجل يطعن عليه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ويقول: انه يقبل كل ما يسمع،
أخبره اللّه اني أنمّ عليه وأنقل اخباره فقبل، وأخبرته اني لم أفعل فقبل،
فرده اللّه بقوله لنبيه: قل اذن خير لكم»[2] ومن المعلوم ان تصديقه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للمنافق لم يكن إلاّ بعدم إظهار تكذيبه.
و قد استشهد الشيخ قدّس سرّه على ما ذكرناه باختلاف السياق، فذكر ان تعدي
كلمة يؤمن في الجملة الأولى بالباء وفي الجملة الثانية باللام دليل على
اختلاف ما أريد من الإيمان والتصديق[3].
و فيه: ان الإيمان بمعنى التصديق، فان كان التصديق متعلقا بوجود شيء فالتعدية تكون بالباء، ومنه قوله تعالى { آمن الرّسُولُ بِما أُنْزِل إِليْهِ مِنْ ربِّهِ و الْمُؤْمِنُون كُلٌّ آمن بِاللّهِ } [4]و ان كان متعلقا بقول الشخص فالتعدية تكون باللام، ومنه قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف { و ما أنْت بِمُؤْمِنٍ لنا } [5]و حينئذ فتعدية الإيمان باللام في الآية الكريمة بالإضافة إلى المؤمنين تدل على إرادة تصديق قولهم.