في فهم كيفيّة العمل إلى غير ذلك من الاختلال نعم يمكن أن يرخّص له ذلك على
وجه خاصّ تؤمن معه الخطاء كترخيص أدعية كتاب زاد المعاد مثلاللعامي الذي
لا يقطع باستحبابها و هو في الحقيقة إفتاء باستحبابها لا إفتاء بالتسامح
انتهى كلامه رفع مقامه و أنت خبير بأن العمدة ما ذكره أخيرامن التمسّك
بلازم المسألة الأصوليّة و خاصيّتها في المقام و إلا فيتوجّه المناقشة إلى
ما أفاده أوّلا و ثانيا بما لا يحتاج إلى البيان و مع ذلك يناقشفيه أوّلا
بأن العمل بما ورد من التسامح في السنن لا يتوقف كثيرا مّا على إعمال قوّة
نظريّة كما في الأدعية و الآداب و الزيارات و نحوها بل في الفروع
الفقهيّةإذ كثيرا مّا يعلم العامي بعدم احتمال الحرمة الذاتية في المسألة
التي ورد الخبر الضعيف في استحبابها و الحرمة التشريعيّة غير مانعة جزما
لارتفاع موضوعهابالأخبار المذكورة و مجرّد هذا ليس اجتهادا في المسألة و لو
بمعنى التجزي في الاجتهاد مثلا إذا ورد خبر ضعيف في الاستعاذة قبل القراءة
في الركعةالأولى و يرجع العامي في المسألة و علم بأن القول منحصر بين
الفقهاء فيها بين الوجوب و الاستحباب و لم يقل أحد بحرمتها فعمل بأخبار
التسامحفيها لم يكن هذا منه اجتهادا في المسألة من حيث هي إذ لا قدرة له
على استنباط نفس حكم المسألة من الأدلّة فتدبّر و ثانيا بأن ما أفاده من
اللازمللمسألة الأصوليّة و الفرعية ممنوع و إنما يسلّم بالنسبة إلى غالب
المسائل الفرعيّة فإنها كما أفاده في حكمها كيف و قد استظهر قدس سره كما
يظهرمن مطاوي كلماته في باب الاستصحاب في ردّ بعض السادة الفحول كما ستقف
عليه و في ردّ المحقق فيما أفاده بالنسبة إلى النبوي و في غيرهما
كونالأصول العمليّة في الشبهات الحكميّة من المسائل الفرعيّة نعم على
القول بها من باب الظّنّ يكون البحث فيها بحثا عن المسألة الأصوليّة
فافهمو انتظر لبقيّة الكلام و توضيح المقام فيما يتلو عليك في الجزء
الثالث هذا حاصل الكلام فيما يرجع إلى الإيراد على التمسّك بالأخبار في
المسألةبعد تسليم تماميّتها سندا و دلالة و أما ما يرجع إلى الوجه الثاني
أعني منع دلالتها فيتوقّف بيانه و توضيحه على تقريب دلالتها على المدّعى
أولاعلى سبيل الإجمال ثمّ التعرض للمناقشة فيها فنقول
أمّا دلالتها عليه فإنما هي من جهة أن المستفاد منها الأخبار بتنجز الثواب
الموعود على العملبمقتضى الخبر الضعيف الدال عليه و الظاهر منها استحقاق
العامل لذلك بمقتضى عمله و لا يكون ذلك بحكم العقل إلا بكونه مطيعا و لا
إطاعة إلاّ معتعلّق الأمر بالمأتيّ به فالإخبار بالثواب على العمل إخبار
عن تعلق الأمر الشرعي المولويّ به و لو كان ظاهريّا حيث إن مرجع الأخبار
المذكورة إلى الإخبارعن الثواب و لو على تقدير عدم مطابقة الخبر للواقع و
هذا كما ترى لا يجامع الاستحباب الواقعي فهو نظير كثير من المستحبّات
الواقعيّة المبنيّةفي لسان الشرع بالإخبار عن الثواب عليها من الجهة التي
ذكرناها كما أنه قد يكتفى عن بيان الوجوب بالعقاب على ترك الفعل و عن بيان
التحريمبالإخبار عن العقاب على الفعل تحقيق في بيان منع دلالة الأخبار المذكورة على المدعي بوجوه ستّة
ثمّ إن الثواب على الطّاعة و إن كان لازم أعمّ من الأمر الندبي ضرورة
تحققها بالنسبة إلى الأمر الإيجابيأيضا إلاّ أنّ لازم الأمر الإيجابي لما
كان ترتب العقاب على مخالفته أيضا و المفروض قصر الأخبار على إعطاء الأجر و
الثواب فيستظهر منها أن الأمرالمستفاد منها بالدلالة العرفية هو الأمر
الندبي هذا مضافا إلى أن المستفاد منها كونها في مقام الترتيب على العمل و
إلى أنه قد لا يكون مفاد الخبرالضعيف كما هو الغالب في موارد التسامح إلاّ
استحباب الفعل هذه غاية ما يقال في تقريب دلالة الأخبار المذكورة على ما
ذكره المشهور فقد نوقش فيهابوجوه الأوّل
أن الإخبار عن الثواب في الأخبار المذكورة لا يكشف عن تعلّق الأمر الشرعي
بنفس الفعل استحبابا حيث إن الثواب الموعود علىالفعل إنما هو فيما إذا أتي
به باحتمال أن يكون مطلوبا للمولى و أن يكون الخبر الدالّ على استحبابه أو
الثواب عليه مطابقا للواقع لا مطلقا كيف و لايكون الأمر ظاهريّا إلاّ
بالملاحظة المذكورة و يكشف عن ذلك قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار
التماس ذلك و قوله عليه السلام التماس قول النبي صلى اللَّه عليه و آله فإن
المقصودمن هذا التعبير جعل احتمال الواقع الذي أخبر عنه الخبر الضعيف
داعيا على العمل و هذا التعبير و إن لم يكن موجودا في أكثر الأخبار إلا أن
النّاظر إليهايستظهر كون المراد منها مطلب واحد لا مطلبين فالمستظهر منها
الإخبار عن الثواب على العمل بعنوان الاحتياط فيكشف عن رجحان الاحتياطشرعا
كما يستقلّ به العقل فإن قلنا بأن المحتاط يستحقّ الأجر عقلا من حيث كون
نفس الاحتياط حسنا عقلا و إطاعة حكميّة فلا يلزم هناك أمر شرعيّمولويّ
أصلا فهذه الأخبار على التقدير المذكور نظير ما دلّ على الأجر على الإطاعة
الحقيقة فإنه لا يكشف عن تعلّق أمر مولويّ بالإطاعة و إن قلنا بعدمحكم
العقل باستحقاقه الأجر من حيث كون المدح عليه فاعليّا فمرجعها إلى الإخبار
عن تفضّل الشارع بإعطاء الأجر فيكون كقوله تعالى من جاء بالحسنة فلهعشر
أمثالها فلا يكشف أيضا عن تعلّق الأمر الشرعي بالفعل إلا بعنوان الاحتياط و
بالجملة المدّعى و الغرض إثبات استحباب الفعل بالأخبار المذكورةكما هو
مدلول الخبر الضعيف لا إثبات رجحان الاحتياط في مورده فإنه راجح و إن لم
يكن هناك خبر أصلا و من هنا أشرنا إلى خروجه عن محلّ البحثهذا كله مضافا
إلى بعد كون الأمر الظاهري المستفاد من الأخبار المذكورة ممّا يترتّب على
إطاعته الأجر و الثواب بخصوصه على خلاف ما يقتضيهالتحقيق في إطاعة سائر
الأوامر الظاهريّة و إلى هذه المناقشة أشار شيخنا قدس سره في الكتاب بعد
دفع الإيرادين بقوله و أمّا الإيراد الأوّل فالإنصافأنه لا يخلو عن وجه
لأن الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرّعا على البلوغ و كونه الدّاعي
على العمل و يؤيّده تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار