ثمّ إنّه لا خفاء في عدم اطّراد حدّ المفهوم و عدم انعكاس حدّ المنطوق- أيضا- لخروج المناطيق الغير الصريحة بأسرها عن الثاني، و دخولها كذلك في الأوّل، حيث إنّها من المداليل الالتزامية [1] التي تفهم من اللفظ، و ينتقل منه إليها في غير محلّ النطق.
و الفرق المذكور لا يجدي في إصلاحهما، كما لا يخفى على المتأمّل، إذ عليه- أيضا- يخرج دلالة الإشارة التي هي من أقسام المنطوق الغير الصريح عن حدّ المنطوق، و تدخل في حدّ المفهوم، لعدم كون الموضوع فيها مذكورا أصلا، بل و عليه ينتقض حدّ المنطوق طردا- أيضا- بمفهوم الموافقة، لكون الموضوع فيها مذكورا.
و لو فرّق بينهما بأنّ المفهوم ما كان مخالفا للمنطوق نفيا و إثباتا فهو تحكّم بحت، إذ المفهوم بالطريق الأولى الّذي يعبّر عنه بمفهوم الموافقة من المفاهيم جدّاً من غير شبهة تعتريه، مع أنّه موافق للمنطوق نفيا و إثباتا.
و كيف كان فإطالة الكلام بالنقض و الإبرام في تصحيح الحدود خالية عن الطائل جدّاً بعد عدم ترتّب فائدة مهمّة عليها، مع أنّ الأهمّ يشغلنا عنه، فالحريّ بذل الجهد في طلب الأهمّ مستعينا باللَّه العظيم الأعظم و النبيّ الأكرم و آله و أوصيائه أئمّة الأمم صلواته عليه و عليهم إلى يوم يعود ما في اللوح المحفوظ مما حفظه من القلم.
فاعلم أنّ المراد بالحجّة المتنازع فيها في باب المفاهيم: إنّما هو ثبوت أصل المفهوم، و هو الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء، لا اعتباره و صحّة الاعتماد عليه بعد الفراغ عن أصله.
[1] و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ المفهوم و المنطوق وصفان للمدلول، لا الدلالة كما توهمه بعضهم. منه طاب ثراه.