وتحقيق الحال في
الحكمين المشروطين بالقدرة شرعا ومرجحية الأسبقية الزمانية فيهما : ان المورد ليس
من مصاديق باب التزاحم المصطلح ، لأنا قد أشرنا إلى ان حقيقته هو التنافي بين
الحكمين في مقام الداعويّة والتأثير ، بمعنى انه لا يمكن ان يكون كلاهما ـ في زمان
واحد ـ داعيين إلى متعلّقيهما ، بحيث لو لم تكن هذه الجهة ارتفع التزاحم ، ولم
يمتنع ثبوت الحكمين معا. والتنافي في المورد الّذي نحن فيه ناشئ من رافعية كل من
الحكمين لموضوع الآخر ، لأن كلا منهما مانع شرعي فيرفع القدرة الشرعية المأخوذة في
موضوع الآخر ، وليس ناشئا عن التنافي في مقام الداعوية وان كان مفروضا ، ولذا لو
ارتفع ذلك ، بأن كان المكلّف قادرا عقلا على امتثال الحكمين لا شرعا ، كان التمانع
بين الحكمين متحقّقا بالوجه الّذي ذكرناه. فلا ينطبق عليه التزاحم بالمعنى المصطلح
نعم يصح إطلاق التزاحم عليه بمعناه اللغوي وهو التمانع ، لأنه متحقّق بين الحكمين
، كما عرفت.
وبعد هذا نقول :
ان أحد الحكمين اما ان يكون أحدهما أسبق زمانا من الآخر ، أولا يكون :
فان كان أحدهما
أسبق زمانا ، فتحقيق الكلام : ان الصور المتصورة في مورد السبق الزماني أربعة :
الأولى : ان يكون
أحد الحكمين سابقا على الآخر بموضوعه وامتثاله ، بمعنى ان موضوع الحكم الآخر
وامتثاله لا يتحقق إلاّ بعد زمان امتثال ذلك الحكم ، نظير ما إذا كان عند الإنسان
في شهر رجب مال يكفيه للحجّ ، ولكنه كان فاقدا للاستطاعة من الجهات الأخرى ـ بان
كان مريضا ـ ويعلم انها تحصل في شهر شوال. وثبت عليه واجب مشروط بالقدرة شرعا في
ذلك الحين ـ أعني شهر رجب ـ كما لو وجب عليه زيارة الحسين عليهالسلام في رجب بنذر
ونحوه وكانت متوقفة على صرف المال المزبور.
وحكم هذه الصورة
هو ترجيح الأسبق زمانا ، فيتقدم وجوب الوفاء بالنذر