الثالث : ان
التزاحم ينحصر بما كان منشؤه عدم القدرة على الامتثال ولا يتصور تحققه من جهة
أخرى.
وامّا ما ذكره من
المثال ، فهو ليس من مصاديق باب التزاحم ، بل من مصاديق باب التعارض ، والوجه في
ذلك : ان ما دل على ان المال الواحد لا يزكى في السنة الواحدة مرتين يوجب العلم
الإجمالي يكذب أحد الدليلين ، وهما الدليل الدال على وجوب خمس شياة على من ملك خمس
وعشرين من الإبل ومضى عليه الحول ، والدليل الدال على وجوب بنت مخاض على من ملك
ستّ وعشرين من الإبل ومضى عليه الحول فلا بد من إعمال قواعد المعارضة ولا ارتباط
للمثال بباب المزاحمة ، فهو نظير ما دل على عدم وجوب ست صلوات في اليوم الواحد
الموجب للتعارض بين ما دل على وجوب صلاة الجمعة في يومها ، وما دل على وجوب صلاة الظهر
في يومها. وقد ذكر أن ما ذكره قدسسره غريب وعجيب صدوره من مثله ، فانه بعيد عن مقامه ولكن
العصمة لأهلها [١].
وفيه : انه يمكن
ان يكون المثال المزبور من موارد باب التزاحم ، وليس الأمر كما ذكره من وضوح عدم
انطباق باب التزاحم عليه ، فلتصوير التزاحم وجه يخرج الدعوى عن غرابتها وبعدها عن
مقام مثل المحقق النائيني. وموضوع الكلام ـ وهو الضابط الكلّي للمثال المتقدّم ـ هو
ما إذا كان المكلف واجدا لأحد النصب الزكاتيّة ثم بعد مضي ستّة أشهر مثلا ملك
مقدارا يتمم النصاب الآخر الّذي يلي للنصاب الّذي كان تجب زكاته ـ ولم يكن المملوك
ف الأثناء نصابا مستقلا كخمسة من الإبل بعد الخمسة الأولى فان فيه بحثا آخر ـ فهل
يجب عليه ان يدفع زكاة النصاب الأول عند تمامية الحول ثم يبتدئ حولا للجميع ، أو
يدفع زكاة النصاب الآخر عند تماميّة حوله ، أي بعد مضي ثمانية عشر شهرا؟.
[١] الفياض محمد
إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ٣ ـ ٢١٥ ـ الطبعة الأولى.