قال ابن عبد الحكم : حدّثني سعيد بن عفير وغيره ، قالوا : لمّا تمّ الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها ، فأقامت الفيّوم سنة ، لم يعلم المسلمون بها ولا مكانها حتّى أتاهم آت ، فذكرها لهم ؛ فأرسل عمرو معه ربيعة بن حبيش بن عرفطة الصّدفيّ ؛ فلمّا سلكوا في المجابة لم يروا شيئا ، فهمّوا بالانصراف ، فقالوا : لا تعجلوا ، سيروا ؛ فإن كان كذبا فما أقدركم على ما أردتم! فلم يسيروا إلّا قليلا حتّى طلع لهم سواد الفيّوم ، فهجموا عليها ؛ فلم يكن عندهم قتال ، وألقوا ما بأيديهم. ويقال : بل خرج مالك بن ناعمة الصّدفيّ على فرسه وهو صاحب الأشقر ببعض المجابة ، ولا علم له بما خلفها من الفيّوم ، فلمّا رأى سوادها ، رجع إلى عمرو ، فأخبره بذلك.
ويقال : بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد ، فسار حتّى أتى القيس [١] ، فنزل بها ، وبه سمّيت القيس ، فراث [٢] على عمرو خبره ، فقال ربيعة بن حبيش : كفيت. فركب فرسه ، فأجاز عليه البحر ـ وكانت أنثى ـ فأتاه بالخبر. ويقال : إنّه أجاز من ناحية الشرقيّة حتّى انتهى إلى الفيّوم.
ذكر فتح برقة والنّوبة
قال ابن عبد الحكم : وبعث عمرو بن العاص نافع بن عبد القيس الفهريّ ـ وكان نافع أخا العاصي بن وائل لأمّه ـ فدخلت خيولهم أرض النّوبة صوائف كصوائف الرّوم ، فلم يزل الأمر على ذلك حتّى عزل عمرو بن العاص عن مصر ، ووليها عبد الله [٣] بن سعد بن أبي سرح ، وصالحهم ، وذلك في سنة إحدى وثلاثين ؛ على أن يؤدّوا كلّ سنة للمسلمين ثلاثمائة رأس وستين رأسا ، ولوالي البلد أربعين رأسا.
[١] في معجم البلدان : قيس كورة كانت بمصر وقد خربت الآن ، سمّيت قيسا لأن فتحها كان على يد قيس بن الحارث المرادي فسمّيت به ، وكان شهد مصر ، وكانت غربي النيل بعد الجيزة.
[٣] عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر سنة ٢٦ ه واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان أخا عثمان من الرضاعة. [الكامل في التاريخ لابن الأثير : ٣ / ٤٥].