الله عنه لدفن موتى المسلمين فيها ، واستقرّ الأمر على ذلك ، فيمنع البناء فيها.
قال : وقد قال لي من أثق به وأسكن إلى قوله : إنّ الملك الظاهر ـ يعني بيبرس [١] ـ كان قد عزم على هدم ما في القرافة من البناء كيف كان ، فوافقه الوزير في ذلك ، وفنّده واحتال عليه بأن قال له : إنّ فيها مواضع للأمراء ، وأخاف أن تقع فتنة بسبب ذلك ، وأشار عليه أن يعمل فتاوى في ذلك فيستفتي فيها الفقهاء : هل يجوز هدمها أم لا؟ فإن قالوا بالجواز فعل الأمير ذلك مستندا إلى فتاويهم ، فلا يقع تشويش على أحد. فاستحسن الملك ذلك ، وأمره أن يفعل ما أشار به. قال : فأخذ الفتاوى ، وأعطاها لي ، وأمرني أن أمشي على من في الوقت من العلماء ، فمشيت بها عليهم مثل الظهير التّزمّنتيّ وابن الجمّيزي ونظائرهما في الوقت ، فالكلّ كتبوا خطوطهم ، واتّفقوا على لسان واحد أنّه يجب على وليّ الأمر أن يهدم ذلك كلّه ، ويجب عليه أن يكلّف أصحابه رمي ترابها إلى الكيمان ، ولم يختلف في ذلك أحد منهم. قال : فأعطيت الفتاوى للوزير ، فما أعرف ما صنع فيها ، وسكت على ذلك ، وسافر الملك الظاهر إلى الشام في وقته ، فلم يرجع ، ومات بها.
فهذا إجماع من هؤلاء العلماء المتأخّرين ، فكيف يجوز البناء فيها؟! فعلى هذا فكلّ من فعل ذلك فقد خالفهم.
ذكر جبل يشكر
هو الذي عليه جامع [٢] أحمد بن طولون ، ويقال : إنّه قطعة من الجبل المقدّس ، وكان يشكر رجلا صالحا.
وقيل : إنّ الجبل المذكور يستجاب فيه الدعاء. وكان يصلّي عليه التابعون والصالحون ، وقد أشار أهل الفلاح على ابن طولون أنّه يبني جامعه عليه.
[١] الظاهر بيبرس تركي الجنس أحد المماليك البحرية جلس على تخت السلطنة سنة ٦٥٨ ه حتى مات بدمشق سنة ٦٧٦ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨].
[٢] بنى أحمد بن طولون الجامع المنسوب إليه الذي بين القاهرة ومصر في سنة ٢٥٩ ه ، وذكر القضاعي في كتاب الخطط أنه شرع في عمارته سنة ٢٦٤ ه وفرغ منه في سنة ٢٦٦ ه. [وفيات الأعيان : ١ / ١٧٣]