ولما فتح السلطان القدس تطاول إلى الخطابة يوم الجمعة كل واحد من العلماء الذين كانوا في خدمته حاضرين ، وجهز كل واحد منهم خطبة بليغة طمعا في أن يكون هو الذي يعين لذلك ، والسلطان لا يعين الخطبة لأحد.
فلما دخل يوم الجمعة رابع شعبان واجتمع الناس لصلاة الجمعة حتى امتلأ الجامع ، ونصبت الأعلام على المنبر ، وتكلم الناس فيمن يخطب والأمر مبهم حتى حان الزوال ، وأذن المؤذن للجمعة ، فرسم السلطان وهو بقبة الصخرة للقاضي محي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي أن يخطب ، وهي أول جمعة صليت بالقدس بعد الفتح ، وأعاره العماد الكاتب أهبة سوداء وكانت عنده من تشريف الخلافة لبسها في الحال.
فلما رقي على المنبر استفتح بسورة الفاتحة وقرأها إلى آخرها ثم قال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) [٢].