رجل واحد ، فألقى الله الرجفة [١] في قلوب الكافرين ، ووقع البطش في الفرنج ، وأمكن [٢] الله المسلمين منهم ، فأووا إلى جبل حطين ، وهي قرية عندها قبر النبي شعيب ، عليه الصلاة والسلام ، وانهزم القمص (٣)(٤) حين أحس بالكسرة ، وذلك قبل اضطراب الجمع ، فدهمهم المسلمون ، ومالوا عليهم من كل جانب ، فتثبتوا فأحاط بهم عسكر الإسلام أوقدوا حولهم النيران ، فإنه كان تحت أقدام خيولهم حشيش ، فأمر السلطان بإلقاء النار فيه فاجتمع عليهم حر النار وحر الشمس [٥] واشتد بهم العطش ، وضاق بهم الأمر ، ووقع السيف فيهم ، واشتد القتال ، فنصر الله المسلمين ، وأطلقوا عليهم السهام. وحكموا فيهم السيوف وأبادوا الفرنج قتلا وأسرا. وأسروا ملكهم ومن معه ، وسميت هذه الوقعة : وقعة حطين ، وهي من الوقعات المشهورة ، وقتل من الفرنج ثلاثون ألفا من شجعانهم وفرسانهم ورؤي [٦] بعض الفلاحين وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا قد ربطهم في طنب خيمته ، وباع منهم واحد بنعل لبسه في رجله ، فقيل له في ذلك ، فقال : أحببت أن يقال باع أسيرا بمداس.
وجلس السلطان لعرض أكابر الأسارى ، فأول من قدم إليه مقدم الداوية وعدة كثيرة منهم ومن الإسبتارية [٧] ، وأحضر الملك كي [٨] ، وأخيه جفري [٩] وأود [١٠] صاحب جبيل وهنفري [١١] والبرنس أرناط صاحب الكرك. وهو أول من أسر ، وكان السلطان قد نذر دمه ، وأقسم أنه إذا ظفر به يعجل بإتلافه ، وذلك لأنه كان قد عبر به
[٧] الإسبتار أو الإسبتارية ، هو تعريب لكلمةLEsHospitoliers الفرنسية ، وقد أنشأ الفرنجة مشافي في القدس يشرف عليها الرهبان ، ونجم عنها تأسيس ثلاث منظمات رهبانية عسكرية هدفها إيواء ومداواة المرضى والجرحى من الجنود والحجاج المسيحيين ، وهذه المنظمات هي : منظمة فرسان سان القديس يوحنا ومنظمة فرسان الهيكل ، ومنظمة الفرسان الألمان ، ينظر : هامش المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧ ؛ هامش ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٩ ؛ الموسوعة الفلسطينية ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ؛ المغربي ١٧٩.
[٨] يعرف باسم كي أو جي ، وهو الابن الأصغر لهيو الثامن سيد بيت لوزيمان ينظر : الصوري ٢ / ١٠٥٩ ؛ ابن شداد ٧٧ ؛ William of Tyre ٢ / ٦٤٢.