لما جرى ما ذكر [٢] من تخريب طيطوس بيت المقدس وما فعله في اليهود تراجع إلى العمارة قليلا [٣] وترمم شعثه واستمر عامرا حتى سارت هيلانة [٤] أم قسطنطين [٥] المظفر إلى القدس وابنها قسطنس ، كان ملكا في رومية [٦] ، ثم انتقل منها إلى قسطنطينية وبنى سورها وتنصر ، وكان اسمخا بزنطية فسماها القسطنطينية [٧].
وزعمت النصارى أنه بعد ست سنين خلت من ملكه ظهر له في السماء شبه الصليب فأمر بالنصرانية ، وكان قبل ذلك هو ومن تقدمه على دين الصابئة [٨] يعبدون أصناما على أسماء الكواكب السبعة ، ولمضي عشرين سنة من ملك قسطنطين المذكور اجتمع ألفان وثمانمائة وأربعون أسقفا ، ثم اختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ، فحرموا آريوس (٩)(١٠) الإسكندري لكونه يقول إن المسيح كان مخلوقا ، واتفق [١١] الأساقفة المذكورون لدى قسطنطين ووضعوا شرائع النصرانية بعد أن لم تكن ، وكان رئيس هذه البطارقة [١٢] بطريق الإسكندرية ومن هنا كان أصل النصرانية في الروم.
[٤] هيلانة : والدة الامبراطور قسطنس وكان أبوه قد سباها من الرها فولدت قسطنطين وهي التي بنت كنيسة القيامة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ بور شارد ١٣٧ ؛ العارف ، المفصل ٥١٧.
[٥] قسطنطين بن قسطنس كان ملكه ثلاثا وثلاثين سنة وهو الذي تنصر من ملوك الروم وقاتل عليها حتى قبلها الناس ، ينظر : ابن الأثير ١ / ١٨٩ ؛ عاشور ، أوروبا ١٧ ـ ٢١.
[٦] رومية : مدنية رئاسة الروم وعلمهم ، وهي من عجائب الدنيا بناء وسعة وكثيرة خلق ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢١٠ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٤٢ ؛ الحميري ٢٧٤.
[٧] القسطنطينية : ويقال قسطنطينية بإسقاط ياء النسبة ، وكان اسمها بيزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سورا ، واسمها الآن اسطنبول ، وهي على الخليج الآخذ من البحر الأسود إلى بحر الروم ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢١٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٠٩٢ ؛ الحميري ٤٨١.
[٨] الصابئة : وهي فرقة أحدثها رجل اسمه بوراسف ، تعتقد بأن الكواكب لها السيطرة على حياة الإنسان وبدورانها يتم ما يكون في العالم من الآثار ، ينظر : المسعودي ١ / ٢٢٢ ؛ الشهرستاني ١ / ٢٣٠.
[٩] أريوس الإسكندري : أسقف الإسكندرية الذي ذهب إلى أن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله واتبعه على هذا طائفة من النصارى نسبت إليه ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٥٠.