responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 88

ثم غبت عنها نحوا من خمسمائة عام، ثم انتهيت إليها، و إذا ذلك البحر قد غاض ماؤه، و إذا مكانه غيضة[1] ملتفّة بالقصب و البرديّ‌[2] و السّياع‌[3]، و إذا صيادون يصيدون السمك في زوارق صغار، فقلت لبعضهم: أين البحر الذي كان هاهنا؟ فقال: سبحان الله، ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا أنه كان هاهنا قط بحر.

فغبت عنها نحوا من خمسمائة عام، ثم أتيت إلى ذلك المكان، فإذا هو مدينة على حالتها الأولى، و الحصون و القصور و الأسواق قائمة، فقلت لبعضهم: أين الغيضة التي كانت هاهنا؟ و متى بنيت هذه المدينة؟ فقالوا:

سبحان الله، ما يذكر أحد إلا أنّ هذه المدينة على حالها منذ بعث الله الطوفان.

فغبت عنها نحوا من خمسمائة عام، ثم ان انتهيت إليها، فإذا عاليها سافلها، و هي تدخن بدخان شديد، فلم أر أحدا أسأله، ثم رأيت راعيا فسألته:

أين المدينة التي كانت هاهنا؟ و متى حدث هذا الدّخان؟ فقال: سبحان الله، ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا إلا أن هذا الموضع كان هكذا منذ كان.

فهذا أعجب شي‌ء رأيته في سياحتي في الدنيا، فسبحان مبيد العباد، و مفني البلاد، و وارث الأرض و من عليها، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال الشاعر:

قف بالدّيار فهذه آثارهم‌

تبكى الأحبّة حسرة و تشوّقا

كم قد وقفت بها أسائل مخبرا

عن أهلها أو ناطقا أو مشفقا

فأجابنى داعى الهوى فى رسمها

فارقت من تهوى فعزّ الملتقى‌

و سمعت بالعراق منشدا ينشد[4]:

أيها الرّبع الذى قد دثرا

كان عينا ثم أضحى أثرا

أين سكّانك ما ذا فعلوا؟

خبّرن عنهم سقيت المطرا

و لقد نادى مناديهم لنا

رحلوا و استودعونى عبرا[5]


[1] - الغيضة: مجتمع الشجر في مغيض الماء.

[2] - البردي: نبات مائي كالقصب من فصيلة السعديات، كانوا قديما يستعملون قشره للكتابة، و البردى كذلك نوع من أجود الثمر.

[3] - السياع: الطين،( لسان العرب، باب: سيع).

[4] - سقطت هذه الأبيات من( ط).

[5] - ورد هذا البيت في كتاب المستطرف في كل فنّ مستظرف( 2/ 609)، بلفظ:

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

و أعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ‌

فمَاسَ دلالًا و ابتهاجاً و قال لى‌

برفقٍ مجيباً( ما سألتَ يَهُونُ)

اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست