اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 86
و تعظيما له، و تشاوروا في أمره، ما يحدثون
له من الكرامة، ثم أجمعوا أمرهم أن لا يدفنوها تحت الثرى، و أن يحملوها فوق
أكفّهم، فغسلوها و كفّنوها و جهّزوها و صلّوا عليها، ثم أقبلوا يحملوها على الأكفّ
و السواعد، كلما ضجر واحد جاء واحد يحمل مع من يحمل، و كل من انقطع في الدير
لعبادة ربّه جعل يحمل معهم، إلى أن بليت، و تقطعت أو صالها مع طول الزمن، فدفنت
حينئذ، رحمة الله عليها.
\*\*\* من يفتخر بما يفنى كمن يفتخر بما يرى في المنام[1]:
و كان في بلاد الروم مما يلي أرض الأندلس، رجل نصرانيّ، قد بلغ في
التخلّي من الدّنيا مبلغا عظيما، و اعتزل الخلق و التزم قلل[2]
الجبال، و السياحة في الأرض إلى الغاية القصوى، فورد على المستعين بن هود[3] في بعض الأمر، فأكرمه ابن هود، ثم
أخذ بيده، و جعل يعرض عليه ذخائر ملكه، و خزائن أمواله و ما حوته من البيضاء و
الحمراء، و أحجار الياقوت و الجواهر و أمثالها، و نفائس الأعلاق[4]
و الجواري، و الحشم[5] و
الأجناد، و الكراع[6] و السلاح،
فأقاموا في ذلك أياما، فلما انقضت، قال له: كيف رأيت ملكي؟
قال: قد رأيت ملكا، و لكنّه يعوزك فيه خصلة، إن أنت قدرت عليها ففيها
نظام ملكك، و إن لم تقدر عليها فهذا الملك لا شيء، قال: و ما تلك الخصلة؟
قال: تعمد فتصنع غطاء عظيما حصينا قويا، و تكون مساحته قدر البلد، ثم
تكبّه على البلد حتى لا يجد ملك الموت مدخلا إليك، فقال المستعين:
[3] - المستعين بن هود: سليمان بن محمد بن هود أمير
سرقسطة و لاردة و الثغر الأعلى و مؤسس دولة بني هود في بعض أقاليم الأندلس، توفي
سنة 438 ه، بعد إن قسّم مملكته بين أولاده الخمسة:
( أحمد، يوسف، لبي، المنذر،
محمد)، و قد انتزع أحمد من أخوته ما بأيديهم و استولى على مدنهم، ثم سجنهم و سمل
أعينهم.( الأعلام 3/ 132).