اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 413
و روى أن حكيما سمع رجلا يذمّ الزمان و
أهله، و أنّه قد فسد الناس، و لم يبق أحد يصحب، فقال له: يا هذا: انت طلبت صاحبا
تؤذيه فلا ينتصر، و تنال منه فلا ينتصف[1]،
و تأكل رحله و لا يرزؤك بشىء[2]، و تجفو
عليه فيحلم، فلم تنصف فى الطلب، فلم تجد حاجتك. و لكن أن أردت صاحبا يؤذيك فلا
تنتصر، و يجفوك فلا تنتقم، و يأكل رحلك فلا تنال منه شيئا، وجدت أصحابا و إخوانا و
خلّانا، و أنا أول من يصحبك.
من دارى سلم، و من داهن أثم، و هذا باب اختلط على معظم الخلق،
فداهنوا و هم يحسبون أنهم يدارون، فالمداهنة منهيّ عنها، و المداراة مأمور بها.
قال اللّه تعالى فى المداهنة: وَدُّوا لَوْ
تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 9] و قال النبى صلى اللّه عليه
و سلم فى المداراة: «رأس العقل بعد الإيمان بالله التودّد إلى الناس، و أمرت
بمداراة النّاس كما أمرت بأداء الفرائض»[4].
و اعلم: أنه إذا سقمت المداراة، صارت مداهنة.
فالمداهنة: ان تداري الناس على وجه يذهب فيه دينك.
و المداراة: مخالفتهم على وجه يسلم لك دينك، و ذلك أنّ هذه الآية
نزلت على النبى صلى اللّه عليه و سلم و قد قالت له قريش: يا محمد: اعبد آلهتنا سنة
و نؤمن بك، فأبى. قالوا: فشهرا، فأبى، قالوا: فيوما، فأبى، قالوا: ساعة، فأبى،
قالوا:
فاستلمها بيدك و نؤمن بك، فوقف النبى صلى اللّه عليه و سلم فى ذلك و
طمع إن فعل أن يؤمنوا، فأنزل اللّه تعالى: وَدُّوا لَوْ
تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.
[3] - المداهنة: مرادفة للخداع و إظهار خلاف ما يبطن(
فهى محرّمة) أما المداراة فهى مأخوذة من المداراة و هى الملاطفة و الملاينة( فهى
مشروعة).
[4] - الجزء الأول من الحديث: قال الإمام السيوطى فيه
رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن أنس و أبى هريرة و الحديث ضعيف( الجامع الصغير
4367) أما الجزء الثانى من الحديث فقد رواه الديلمى عن عائشة( كشف الخفاء للعجلوني
رقم 679).
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 413