اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 333
الباب الثالث و الأربعون فيما يملك
السلطان من الرعية
كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر: املك الرعية بالإحسان تظفر منهم
بالمحبة، فإن طلب ذلك منهم بالإحسان هو أدوم بقاء منهم بالاعتساف[1]، و أعلم: إنك إنما تملك الأبدان،
فتخطّاها إلى القلوب بالمعروف.
و اعلم: أنه إذا عدل السلطان ملك قلوب الرعية، و إذا جار لم يملك
منهم إلا الرّياء و التصنّع.
و فى سير المتقدمين: قلوب الرّعية خزائن ملوكها، فما أودعوها من شيء
فليعلموا أنه فيها.
و اعلم: أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجتهد
أن لا تقول تسلم من أن تفعل.
و ليس هذا، خلاف ما روى عن معاوية: أن رجلا أغلظ له فحلم عليه، فقيل
له: أ تحلم على مثل هذا؟ فقال: إنى لا أحول بين الناس و ألسنتهم ما لم يحولوا
بيننا و بين سلطاننا، و ذلك أن تفسير قوله: (فاجتهد أن لا تقول) يعنى: إذا عدلت لم
يتكلموا بشىء.
و هذه السيرة أحسن من سيرة اردشير، لما رفع إليه أن جماعة من بطانته
قد فسدت نيّاتهم، فوقّع: نحن معاشر الملوك، إنما نملك الأجساد لا النيات، و نحكم
بالعدل لا بالرضا، و نفحص عن الأعمال لا عن السرائر.
قلت: و إنما تحسن هذه السيرة لمن عجز عن الأولى، لأن ملك الأجساد، قد
يكون بالعدل و الظلم، و ملك القلوب لا يكون إلا بالعدل، و أين هذا من قوله- و قد
رفع إليه-: إنك ركبت أمس فى عدة قليلة، و تلك حالة لا يؤمن اغتيال الأعداء فيها،
فوقع: من عمّ إحسانه أمن أعداءه.
و ما أحسن ما قال عبد الملك بن مروان: يا أهل الشام: إنما أنا لكم
كالظليم[2] الرائح
على فراخه، ينقّي عنهم القذر، و يباعد عنهم الحجر،
[1] - التعسف و الاعتساف: أخذ الأمر بالقوة من غير
تدبير، و تأتى بمعنى: الظلم و الجور.
[2] - الظليم: الذكر من النعام، و تجمع ظلمان، و ظلمان،
و أظلمة.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 333