اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 316
الباب السادس و الثلاثون فى بيان الخصلة
التى فيها غاية كمال السلطان، و شفاء الصدور، و راحة القلوب، و طيبة النفوس
اعلم أيها الملك: انه متى كملت فيك الخصال المحمودة، و الأخلاق
المشكورة، و السّيرة المستقيمة، و ملكت نفسك، و قهرت هواك، و وضعت الأشياء
مواضعها، ثم أن الرّعية اهتضمت حقّك، و جهلت قدرك، و لم توفّك حظك، فبلغك منهم ما
يسوؤك، و رأيت منهم ما لا يعجبك، فاعلم أنّك لست بإله، فلا تطمعنّ أن يصفو لك منهم
ما لا يصفو منهم للإله.
و فصل الخطاب فى هذا الباب: أن تعلم أنّ الله تعالى خلق الخلائق
أجمعين، و أنعم عليهم بأنواع النّعم، فأكمل حواسّهم، و خلق فيهم الشهوات، ثم أفاض
عليهم نعمه، و كملت لهم اللّذات، و بعد هذا: فما قدروا الله حق قدره[1] و لا عظّموه حق عظمته، بل قالوا
فيه ما لا يليق به، و وصفوه بما يستحيل عليه، و أضافوا إليه ما يتقدّس عنه، و
سلبوه ما يجب له من الأسماء الحسنى، و الصّفات العلى، فمنهم من قال: هو ثالث
ثلاثة، و منهم من قال: له زوجة، و منهم من قال: له ابن، و منهم من قال: له البنات،
و منهم من يجسّمه، و منهم من يشبّهه، و منهم من أنكره رأسا و قال: ما للخلق صانع،
كما حكاه الخالق عنه، فقال: نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ
ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24]، و هو مع ذلك
يحييهم و يبقيهم، و يصحّ أجسامهم و حواسهم، و يرزقهم، و ينعشهم، و يقضي مآربهم و
أوطارهم، و يمتّعهم متاعا حسنا و يبلغهم آمالهم فى معظم ما يحتاجون إليه، فمعاصيهم
إليه صاعدة، و بركاته عليهم نازلة، كلّ يعمل على شاكلته، و ينفق مما عنده، و كل ذى
حال أولى بها.
و فى مناجاة موسى 7: انّه قال: إلهى أسألك أن لا يقال فىّ
ما ليس فىّ، فأوحى الله تعالى إليه: ذلك شيء ما فعلته لنفسى، فكيف أفعله بك؟ و فى
هذه السيرة عبرة لمن اعتبر، و ذكرى لمن ادّكر، مع أنك إن التمست رضا جميع الناس،
التمست ما لا يدرك، و كيف يدرك رضا المختلفين؟
[1] - قال تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ[ سورة الأنعام: 91].
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 316