اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 315
و يطرح القذى عن ثوبيه، ليس له همّة بين
الجلساء إلا نظره إلى نفسه، و إصلاح ما انثنى من ثيابه، فألحقه فى عالم الطواويس
الذى هذه صفته، فإنه يتبختر فى مشيته، و ينظر إلى نفسه، و يفرش ذنبه فيتّخذه
الملوك استحسانا له.
و إذا بليت بإنسان حقود لا ينسى الهفوات، و يجازى بعد المدّة على
السّقطات، فألحقه بعالم الجمال، و العرب تقول: (فلان أحقد من جمل و تجنب قرب الجمل
الحقود)، فاجتنب صحبة الرّجل الحقود.
و إذا بليت بإنسان منافق، يبطن خلاف ما يظهر، فألحقه بعالم اليربوع،
فإن اليربوع- و هو فأر يكون فى البرية- يتخذ جحرا تحت الأرض، يقال له (النّافقاء)،
و له فوّهتان، يدخل من إحداهما و يخرج من الأخرى، و منه اشتق اسم المنافق، فإذا
همّ أحد بأخذه دخل جحره و خرج من الباب الآخر، فيحفر الصيّاد خلفه فلا يظفر بشىء،
كذلك حال المنافق لا يصحّ منه شيء.
و على هذا النّمط كن فى صحبة الناس، تستريح منهم و تريحهم منك،
فلعمرو الله ما استقامت لى صحبة الناس، و سكنت نفسى و استراحت من مكابدة أخلاقهم،
إلا من حيث سرت معهم بهذه السيرة.
و قال الرّياحى[1]: يا بنى
رياح: لا تحقروا صغيرا تأخذون عنه، فإنى أخذت من الثعلب روغانه، و من القرد مكايده،
و من السّنور ضرعه[2]، و من
الكلب نصرته، و من ابن آوى حذره، و قد تعلّمت من القمر مشى الليل، و من الشمس
الظهور فى الحين بعد الحين.
[1] - الرّياحى: خالد بن عتّاب بن ورقاء الرياحى، شجاع
من الأبطال، حارب الخوارج فى جيش الحجاج، فقتل أخا شبيب الخارجى و غزالة الخارجية،
فالتحم معه أصحاب شبيب، فانهزم و القى نفسه مع فرسه فى دجلة فغرق، فقال شبيب:
قاتله الله، هذا أشد الناس و ذلك سنة 77 ه( الأعلام 2/ 297).