اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 304
قلت له: فما شكر الأذنين؟ فقال: إذا سمعت
بهما خيرا حفظته، و إذا سمعت بهما شرا سترته.
قلت: فما شكر اليدين؟ قال: أن لا تأخذ بهما ما ليس لك و لا تمنع حق
الله تعالى فيهما.
قلت: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله صبرا و أعلاه علما.
قلت: فما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله تعالى:
وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
[المؤمنون: 5، 6] فإن أنت فعلت فأنت الشاكر حقا.
و فى حكمة إدريس 7: «لن يستطيع أحد أن يشكر الله تعالى على
نعمة، بمثل الإنعام على خلقه، ليكون صانعا إلى الخلق مثلما صنع به الخالق تعالى».
و إذا ثبت أنّ فعل الطاعات شكر؛ فإن فيها ما هو أشدّ ملازمة من غيره،
فالطاعة فى مواساة الفقراء أشكل[1] بالشّكر
على الغنى من غيرها، لأنّها من جنس النعمة، فإذا أردت أن تحرس دوام نعم الله تعالى
عليك، فأدم مواساة الفقراء.
و الطّاعة فى رفع ذوى الضّعة[2]
و الخمول و المسكنة بغير معصية، أشبه بالشكر على رفع قدرك، و التنويه باسمك.
و الطاعة فى تمريض الفقراء و تلطيف أغذيتهم، أشبه بالشكر على العافية
من سائر الطاعات.
و الطاعة فى الشفاعات عند السلطان، و قضاء حوائج الغرباء و الإخوان
أشبه بذوى الجاه من سائر الطاعات.
و على هذا المثال، ينبغى أنّ يقال فى سائر نعم الله تعالى على العبد،
و من العبارات الجامعة للشكر أن يقال: الشكر معرفة بالجنان، و ذكر باللّسان، و عمل
بالجوارح.